الهجوم على إيران وتصعيد الاحتلال.. كيف تستغل “إسرائيل” ما يجري في الضفة الغربية؟

الهجوم على إيران وتصعيد الاحتلال.. كيف تستغل “إسرائيل” ما يجري في الضفة الغربية؟

رام الله – الشاهد| خط الكاتب الفلسطيني اسماعيل الريماوي مقالاً حول خطوات الاحتلال الخطيرة لتهويد وضم الضفة الغربية، وذلك في ظل انشغال العالم في الحرب على إيران، وفيما يلي نص المقال.

بينما تبدو المنطقة مشغولة بـ”الحدث الكبير” المتمثل في الهجوم غير المسبوق على ايران و الحرب الجارية على كسر العظم ، تتجه حكومة الاحتلال بخطى مدروسة نحو استثمار هذا التصعيد لإعادة ترتيب المشهد الداخلي الفلسطيني، وخاصة في الضفة الغربية، ضمن مشروع قديم جديد يتأسس على سياسة الحسم والضم الزاحف وتكريس الوقائع تحت غطاء “الأمن الوقائي”.

فمنذ اليوم الأول للهجوم الإسرائيلي على ايران ، كثّف الاحتلال إجراءاته العسكرية في الضفة الغربية، ليس رداً على تهديدات أمنية مباشرة كما يدّعي، وإنما في إطار خطة متكاملة لإعادة فرض السيطرة الميدانية الكاملة على الجغرافيا الفلسطينية، وخلق مزيد من العزل بين المدن والقرى، ضمن ما يشبه هندسة قسرية للمكان والناس ، فالحواجز العسكرية والبوابات الحديدية والمكعبات الإسمنتية التي قطّعت أوصال نابلس ورام الله وسلفيت والخليل، ليست سوى أدوات تنفيذية لمخطط قديم يتجدد كلما سنحت الفرصة: جعل الضفة الغربية فضاءً مفتتاً يخنق السكان و يجعله لا يصلح لأي شكل من أشكال السيادة .

اللافت أن هذا التصعيد يترافق مع تصاعد هجمات المستوطنين المنفلتين من كل قيد، الذين يمارسون إرهابهم الميداني ضد القرى الفلسطينية والمزارعين الفلسطينيين بحماية من جيش الاحتلال، في مشهد بات مألوفاً لكن أكثر فجاجة في توقيته ودلالاته، فبينما تُقصف طهران وتباد غزة، تمضي إسرائيل بخطى ثابتة نحو استكمال مشروع الحسم على الأرض في الضفة الغربية، مستفيدة من الانشغال الإقليمي والدولي، ومن حالة التراخي العربي، ومن شلل السلطة الفلسطينية التي تبدو وكأنها تعيش في كوكب آخر، لا تملك إرادة الفعل ولا حتى صوت الاعتراض، بينما تملك العمل الجاد على استمرارالتنسيق الأمني، تاركة السكان الفلسطينيين يواجهون مصيرهم تحت نير الاحتلال والمستوطنين.

الخطير في هذا التصعيد أنه لا يبدو إجراءً ظرفياً بقدر ما هو جزء من استراتيجية أعمق تسعى إلى إعادة تعريف “الأمن” في الضفة الغربية بمعايير إسرائيلية خالصة، حيث تتحول القرى إلى معازل، والمواطن إلى خطر محتمل، وتصبح الجغرافيا الفلسطينية مجرد هامش تابع للكتل الاستيطانية الكبرى ، فالإغلاق الحالي لمداخل المدن والقرى، لا سيما في نابلس ورام الله وسلفيت وغيرها ، ليس إجراءً أمنياً لحظياً بل ممارسة سياسية تحمل في طياتها تصوراً لمستقبل الضفة كأرض بلا تواصل، بلا وحدة جغرافية، بلا أفق سياسي.

وإذا كان الهجوم على إيران قد فُسّر من قِبل البعض كخطوة رمزية لكسر معادلة الردع الإقليمية و رسم خريطة جديدة للمنطقة، فإن إسرائيل من جهتها، تستثمر هذا الظرف لتكريس معادلتها الخاصة: استباق أي تحوّل إقليمي عبر فرض مزيد من السيطرة على المجال الفلسطيني، وتهيئة الأرض لسيناريوهات ما بعد الحرب وما بعد غزة ، سواء تعلق الأمر بضم تدريجي للضفة أو بإحكام الطوق على أي مقاومة محتملة في الداخل الفلسطيني.

تأتي هذه التحركات في ظل أزمة بنيوية يعيشها النظام السياسي الفلسطيني، حيث تتآكل الشرعية وتتفكك المؤسسات، ويتحول الفراغ إلى فرصة أمام الاحتلال لإعادة تعريف العلاقة مع الضفة كمجال أمني واستيطاني، وليس كأرض لشعب يسعى للاستقلال والتحرر، والمفارقة أن هذا يتم في لحظة يُفترض أن تكون فيها القضية الفلسطينية في صدارة الاهتمام العربي والدولي ، بالنظر إلى الحرب الجارية في غزة والتوتر المتصاعد مع إيران ، لكن الواقع يظهر غير ذلك.

فالموقف العربي الرسمي، حتى في ذروة الانكشاف الإنساني في غزة والاعتداءات على الضفة، لا يزال محصوراً في دائرة التصريحات الشكلية والرهانات الباهتة على “التهدئة” و”ضبط النفس”، بينما الاحتلال يُعيد هندسة الخارطة الفلسطينية بما يتجاوز حدود “الردع” إلى مشروع تهويد شامل واستعمار متسارع.

الضفة الغربية اليوم ليست فقط ساحة لحصار يومي، بل جبهة متكاملة تُدار فيها المعركة بأدوات ناعمة وخشنة: من الاعتقالات اليومية، إلى تكثيف البؤر الاستيطانية، إلى تصعيد الهجمات على المزارعين والطرق، وكل ذلك يجري تحت غطاء “الإجراءات الأمنية” التي باتت عنواناً لاستراتيجية التفتيت طويلة الأمد.

إن أخطر ما في هذا المشهد هو أن الاحتلال يُدير المعركة بهدوء وذكاء، ويترك غزة تشتعل كي يمرر ما يريد في الضفة، حيث المعركة الحقيقية على مستقبل فلسطين تجري دون ضجيج، ولكن بأثر بالغ ، فحين تُقطّع الطرق وتُغلق القرى وتُترك المجتمعات المحلية فريسة للاستيطان والعنف، فإن ما يجري ليس مجرد “حالة طارئة” بل بناء متدرج لكيان استعماري يُراد له أن يستقر طويلاً.

واخيرا ان ما يجري في الضفة الغربية ليس ارتداداً أمنياً للهجوم على ايران او استمرارالحرب على غزة ، بل استثمار إسرائيلي دقيق للحظة الإقليمية المرتبكة، بهدف تثبيت مشروع تفتيت الواقع الفلسطيني وتكريس الاحتلال كأمر واقع ، حيث اننا أمام المرحلة التي ستكون مفصلية في رسم ملامح مشروع الحسم الذي تحدث عنه سموتريتش وتُنفذ ذلك بهدوء وبلا مجازر، ولكن ببطء قاتل وصمت رسمي مطبق.

إغلاق