رجالٌ يحملون الشمس على أكتافهم.. حكايةُ نخوةِ رجالٍ من غزّة!

رام الله – الشاهد| خط الكاتب الفلسطيني محمود كلم مقالاً حول أبطال رجال الأنفاق في رفح والمحاصرين منذ قرابة العام ونصف يقاتلون بمفردهم وبدون مدد، في مشهد أسطوري لم يحدث من قبل، وفيما يلي نص المقال كاملاً.
لو أدركتِ الأمةُ فيمَ فرّطت، لبكت دهراً على ما فات، ولما جفّت لها دمعةٌ على ما هو آتٍ. فهناك على تخوم البحر، وُلد رجالٌ لو قُسِّمت صدورهم على الأمة لوسعتها إيماناً وورعاً وثباتاً… رجالٌ من غزّة، حملوا في قلوبهم ما أعيا الملوك، وما عجز عنه المتخاذلون.
في زمنٍ غاب فيه معنى الرجولة، وانحنى فيه كثيرٌ من الرجال أمام الريح، بقي في غزّة رجالٌ لا ينحنون. رجالٌ لم يتعلّموا الشجاعة من الكتب، ولا الورع من الخُطَب، بل صاغتهم المحنة وصقلت أرواحهم النيران. وحين أقبلت العواصف، أدبروا عن الخوف، وواجهوا العينَ بالمخرز… مواجهةٌ تُبكي الحجارة وتُخجل التاريخ.
في ليالي الحصار الطويلة، حين تنطفئ الكهرباء وتعلو أصوات الانفجارات، ترى رجالَ غزّة واقفين رغم الإنهاك، يحملون أبناءهم بذراعٍ مُتعبة، ويُسنِدون بيوتاً تترنّح فوق رؤوسهم. لا يساومون على كرامة، ولا يفرّطون في نخوة، ولا يسلّمون مفاتيح مدينتهم للغزاة. يقفون بين الركام كما يقفون بين صفوف الصلاة… مطمئنين، رغم كل شيء.
هؤلاء الرجال لم تَعُد الحياةُ بالنسبة لهم خبزاً وماءً، بل صموداً لا يُقاس بالأعوام، بل بالنبضات. يسير أحدهم نحو المجهول كأنه ذاهبٌ إلى موعده مع الله، لا يخشى الموت، لأن الموت نفسه يستحي أن يقترب من رجلٍ بهذا الثبات.
وحين يسقط واحدٌ منهم، لا يخبو الضوء، بل يشتعل أكثر. إنهم يشبهون جذور الزيتون: كلما حاولت الرياح اقتلاعهم، ازدادوا في الأرض رسوخاً. فهم أبناءُ أرضٍ لا تُربّي إلا الرجال، وأبناءُ مدينةٍ لا تعرف الانكسار.
يا ليت الأمة تعلم… يا ليتها تُبصر ما يُصنع باسمها هناك. يا ليتها تدرك أن الرجولة تُكتَب اليوم بدماء أولئك الذين لم يملكوا سوى قلوبٍ مفعمةٍ إيماناً، وصدورٍ مفتوحةٍ للشهادة، وأكُفٍّ ترتفع إلى السماء في صمت الليل ألّا تُخذل عزائمها.
في غزّة لا تزال الرجولة حيّة؛ تمشي على قدمين، وتُواجه بالمخرز عيناً لا ترمش.
وفي غزّة، لا يزال هناك رجالٌ يُذكّروننا بأن الكرامة لم تمت بعد…
وأن الأمة مهما طال غيابها، قادرةٌ على أن تنهض، ما دام في أطرافها رجالٌ كهؤلاء.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=97717




