كتب سليم الزريعي: مع عودة جريمة التنسيق الأمني.. من تُمثل سلطة رام الله؟!!

كتب سليم الزريعي: مع عودة جريمة التنسيق الأمني.. من تُمثل سلطة رام الله؟!!

الضفة الغربية – الشاهد| يبدو أن العقل السياسي لمتنفذي السلطة في رام الله قد بات مبرمجاً على التكيف مع سياسات الاحتلال التي لا ترى في السلطة وأجهزتها سوى دورها الوظيفي بعد أن قبلت أن تقوم بذلك الدور المهين ليس بالمعنى الأخلاقي ولكن بمعناه الفكري والسياسي والوطني خلال ثلاثة عقود.

وذلك ليس تجنياً على ذلك الطرف الذي يختطف القرار الوطني الفلسطيني ويمارس الفعل السياسي بمعزل عن إرادة غالبية الشعب، والكثير من القوى السياسة الفاعلة على مستوى الفعل الشعبي أو العنف بأشكاله المختلفة في مواجهة الاحتلال. وإنما ارتباطا بالوقائع.

وأقرب الأمثلة الصارخة على ذلك هو الموقف غير المسؤول بعد تفاهمات سلطة "حركة فتح" مع الإدارة الأمريكية التي أفضت لوقف ما يسمى بالتصعيد السياسي الفلسطيني المتمثل بـ اللجوء إلى المنظمات الدولية ومجلس الأمن، مقابل تجميد الاستيطان ووقف العدوان على المدن الفلسطينية، الا أن حكومة نتنياهو نقضت هذه التفاهمات والوعود غداة إعلانها، وهذا أمر مجرب ومتوقع ناهيك عن إنه عدو، وهو ما حدث بالفعل، عندنا شن عدوانا على مدينة نابلس أسفر عن سقوط 11 شهيداً، وأعلنت باسم نتنياهو أنها لم تتعهد بتجميد الاستيطان التي قالت إنه مستمر حسب برنامج وقرارات الائتلاف اليميني الصهيوني المتطرف بقيادة نتنياهو وبن غفير وسموتيرتش.

وعلى ضوء صفقة التفاهمات تلك قررت السلطة الفلسطينية وحدها سحب مشروع قرار إماراتي فلسطيني من التصويت في مجلس الأمن الدولي واستبداله ببيان رئاسي عرضته الولايات المتحدة، ليتبين تحوله إلى إدانة للمقاومة الفلسطينية بدل أن يكون إدانة للاستيطان. في حين اكتفي المجلس بالتعبير عن ما سماه "قلقه واستيائه العميقين من إعلان إسرائيل في 12 فبراير 2023، عن المزيد من عمليات البناء والتوسع في المستوطنات وتقنين البؤر الاستيطانية".

ولأن العقل السياسي الذي يقود السلطة يعاني في أحسن الأحوال من عوز في قراءة الأحداث بشكل شامل ومترابط في الزمان، وهي القراءة التي تقرر موقفها من الأحداث، لذلك تأتي مواقفها وسلوكها مغايرة لما يجب أن تكون عليه تلك القرارات ارتباطا بالتقدير الموضوعي لمجريات الواقع، من ذلك أنها تجاهلت سلوك حكومة أحزاب الصهيونية الدينية التي تجاهر بمواقفها العنصرية والفاشية، سواء فيما يتعلق بإدارة سياسة الاحتلال للضفة أو الاستيطان، وكذلك حكومة الصهيونية الدينية التي أقرت اليوم 26 فبراير عرض تشريع على "الكنيست" بإعدام رجال المقاومة لإقراره، في حين تشتعل الضفة وكل فلسطين غضبا جراء ممارسات قطعان المستوطنين وجيش الاحتلال.

وعوض مواجهة هذه العدوانية من قبل الاحتلال تعقد اجتماعا في الأردن برعاية الولايات المتحدة التي تنكر حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه، ومصر كامب ديفيد والأردن وادي عربة المأزومتان اقتصاديا واجتماعيا اللتان كل همها هو " التهدئة"، بالتوجه نحو الداخل الفلسطيني مكمن القوة الوطنية التي لا تنضب، تقرر حضور قمة مع الاحتلال برعاية أمريكية وحضور مصري وأردني.

وهي القمة التي بوصفها المراقبون بأنها تستهدف ما تسميه التهدئة والاستقرار، وهاتين المفردتين تعنيان التصدي للمقاومة في نابلس وجنين وفي أي مكان من الضفة، إنها بمعنى أخر دعوة لاستخدام القوة الناعمة أو الخشنة ضد الشعب الفلسطيني وقواه المكافحة من أجل التكيف مع الاحتلال كواقع ارتباطا بكونهما، لكن إذا ما دققنا في هذه الأطراف التي تطالب الشعب الواقع تحت الاحتلال بالتهدئة.

وهم الولايات المتحدة التي أعتبرها عدوا للشعب الفلسطيني ومصر والأردن اللتان سبق أن أبرمتا اتفاقات سلام مع الكيان الصهيوني على حساب حق الشعب الفلسطيني في كاملا وطنه الذي هو كل فلسطين..لأنهما تخشيان من اشتعال الوضع في الضفة والقطاع خاصة في شهر رمضان ، وهو أمر سيعكس نفسه سلبا، على البلدين بما لا يرضيهما.

ومن الطبيعي والحال هذه أن تكون أول قرارات قمة تهافت العقبة وبحسب بيان صدر عن مكتب نتنياهو ، يتعلق بـ" الاتفاق على تشكيل لجنة أمنية مشتركة مع السلطة الفلسطينية لبحث تجديد التنسيق الأمني واستعداد الفلسطينيين وقدرتهم على تحمل المسؤولية عن مكافحة "الإرهاب" في أراضي السلطة. "

ولأن كلمة السر في اجتماع العقبة هي التهدئة، يصبح التنسيق الأمني هو المستهدف من أجل أمن الكيان الصهيوني، وهذا يعني إعفاء الاحتلال من كلفة احتلاله، على أن تتحملها السلطة الفلسطينية، بأن تقوم بدور هراوة للاحتلال عبر قمع والقضاء على قوى المقاومة، وأن تتحمل هي العار الوطني جراء ذلك، وهذا يعني إعفاء الاحتلال من دفع كلفة احتلاله وتحمل نتائجها على كل الصعيد، لكن يستفزنا سؤال مشاكس..لابد من طرجه: ما هو التوصيف المناسب لمثل هذا الدور؟

المؤسف أن سلطة رام الله ( سلطة فتح) تصر على أن لا تتعلم، بل وتعيد ارتكاب نفس الخطايا منذ نكبة أوسلو بعد أن استثمر الكيان الغاصب وجود السلطة لتكثيف الاستيطان وقمع أي فعل مقاوم للاحتلال، ومن ثم لا يبدو مستغربا في ظل مثل هذه السلطة، أن يصدر مكتب نتنياهو تعقيبا على اجتماع العقبة أكد فيه " أنه لن يكون هناك تغيير في قرار شرعنة 9 بؤر استيطانية وتحويلها لمستوطنات وبناء 9500 وحدة استيطانية في الضفة، فيما علق وزير المالية الصهيوني بيتسائيل سموريتش قائلاً: أعرف شيئًا واحدًا: لن يكون هناك تجميد للبناء والتطوير في المستوطنة ، ولا حتى ليوم واحد لأن هذا الملف من اختصاصي".

لكن ألا يشكل قرار سلطة فتح في رام الله بعودة التنسيق الأمني في ظل هذه الحكومة الصهيونية الفاشية، تجاهلا لقرارات المجلس الوطني والمركزي ومؤسسات منظمة التحرير، وضد إرادة غالبية الشعب الفلسطيني وفصائله وقطاع واسع من حركة فتح، ومجموعات المقاومة المسلحة التي تتصدي لعدوانية قطعان المستوطنين وجيش الاحتلال في الضفة؟ ثم إذا كان هناك إجماعا وطنيا على تجريم التنسيق الأمني مع الاحتلال، ألا يستحضر ذلك السؤال المر.. من تُمثل سلطة رام الله؟!!

إغلاق