موازنة أجهزة أمن السلطة “صندوق أسود”

موازنة أجهزة أمن السلطة “صندوق أسود”

رام الله/

ارتبط تشكيل الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، التي جاء عقب توقيع اتفاق اوسلو عام 1993 بأحد أبرز أهداف الاتفاق وهو توفير الحماية الأمنية للاحتلال الصهيوني، والقضاء على أي نهج ثوري فلسطيني.

وينص البند 8 من اتفاقية أوسلو المُوقعة بين منظمة التحرير والاحتلال، في سبتمبر/أيلول 1993 على إنشاء شرطة قوية تضمن النظام والأمن في الضفة الغربية وقطاع غزة، حددت بـ3000 عنصر، ثم زيد العدد في اتفاقية أوسلو الثانية ليصير 30 ألفا.

غير أن الأجهزة الأمنية لم تقتصر منذ ذلك التاريخ على جهاز واحد بل كثرت وتعددت ولاءاتها، لقادة ومتنفذين في السلطة وحركة فتح.

خلال انتفاضة الأقصى الثانية في سبتمبر 2000، نفذ بعض عناصر أمن السلطة عمليات فدائية ضد الاحتلال الصهيوني ومستوطنيه، مستخدمين السلاح الذي أرادته السلطة والاحتلال ضد المقاومين والفصائل الفلسطينية.

لكن محمود عباس الذي تولى رئاسة السلطة منذ يناير 2005، وما زال في ذات المنصب رغم انتهاء ولايته دستورياً في 2009، أعاد ضبط إيقاع هذه الأجهزة الأمنية وفقًا لعقيدة أوسلو الأمنية.

ومنذ تولي عباس بعد التآمر على الراحل ياسر عرفات الذي وصفه بكرازي فلسطين، قبض المانحون أيديهم على المساعدات الأمنية من خلال إنشاء بعثة الشرطة الأوروبية لتنسيق الدعم إلى الشرطة المدنية الفلسطينية (EUPOL COPPS) بالتعاون مع مكتب التنسيق الأمني الأمريكي (USSC)، لتدشن تلك المرحلة حقبة جديدة تسيطر فيها تلك الجهات على عملية الدعم وتوجيهه، وتبقى الموازنة صندوقًا سريا مقفلا.

ويبلغ عدد العاملين بأجهزة أمن السلطة في الضفة الغربية وقطاع غزة ممن يتقاضون رواتبهم من السلطة أكثر من 60 ألفًا، موزعين على ستة أجهزة أمنية هي؛ الشرطة المدنية، الأمن الوقائي، المخابرات العامة، الاستخبارات العسكرية، قوات الأمن الوطني وأمن الرئاسة. وحسب مديرية الرواتب في السلطة برام الله، فإن عدد الموظفين 160 ألف موظف؛ حيث يبلغ عدد العسكريين في الوطن 64 ألف موظف و96 ألف موظف مدني.

وتخصص السلطة لهذه الأجهزة مبالغ مالية مضاعفة لما تستهلكه وزارتا الصحة والتعليم، فضلا عن وجود عديد المخصصات المالية للأمن بقيت صندوقًا مقفلا.

ورغم ذلك ينحصر دور هذه الأجهزة على تنفيذ ما يطلبه الاحتلال وفق اتفاق التنسيق الأمني بينهما، في ظل ارتفاع معدلات الجريمة في الضفة، وعجز الأجهزة الأمنية عن القيام بدورها، إضافة إلى شبهات الفساد بين الشرطة والنيابة حول التستر على عديد المخالفات والجرائم.

المعطيات الأولية لموازنة السلطة تشير إلى أن ما يخصصّ سنويًا للأجهزة الأمنية يقدر بـ 1.078 مليار دولار من أصل 3.860 مليار دولار تقريبًا، أي ما يعادل 28% من الموازنة.

وأشار وزير التخطيط السابق في الحكومة ومدير البحوث الحالي في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية سمير عبد الله، إلى أن بند ميزانية أجهزة أمن السلطة اقترب أحيانا لـ35% ولم يقل عن 28%، وهي موازنة أكبر من موازنتي الصحة والتعليم التي تقدر معا بـ25%.

وأكد عبد الله أنّ الجزء الأكبر من موازنة الأمن يخصص لبند الرواتب والأجور، إذ أنّ 60% من هذه المخصصات تذهب للرواتب، و20% تقريبا للطعام، و20% الأخرى للنفقات التشغيلية والمحروقات.

وشدد على أنّ عملية الدعم لم تستهدف تطوير البنية العسكرية للداخلية كما أنّها لم تستهدف تطوير القدرات القتالية والفنية التي تخدم المؤسسة العسكرية، بقدر ما اقتصرت على أهداف الداعمين فحسب.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قطعت خلال العام الأخير، جميع أشكال المساعدات للفلسطينيين، والتي تقدر بمئات ملايين الدولارات، إلا أنها حرصت على مواصلة تقديم الدعم للأجهزة الأمنية.، بطلب من الاحتلال الصهيوني

وقال أسامة نوفل مدير عام التخطيط والسياسات بوزارة الاقتصاد الوطني، إن “وزارة الداخلية في رام الله استحوذت عام 2018 على 3 مليارات شيكل من حصة الموازنة للعام 2017، أي ما يقرب من ثلث الموازنة تقريبا، وهي مخصصات اكبر بكثير مما تخصص لوزارتي الصحة والتعليم، وهي أكبر من أدائها.

وبين نوفل أن هذه المخصصات تأتي في ضوء مديونية السلطة التي تصل لـ11 مليار دولار، من بينها مثلا مديونيتها من صندوق التأمين والمعاشات إذ وصل قيمة ما سحبته منه مليار و600 مليون شيكل، إضافة لـ 6 مليارات أخرى ديون خارجية.

ووصف المدير التنفيذي لائتلاف “أمان” من أجل النزاهة والشفافية مجدي أبو زيد موازنة الأجهزة الأمنية بـ “الصندوق الأسود”.

وقال ” “لا نعرف شيئا عنها، باستثناء بعض المعلن، وهناك أنظمة مالية خاصة موجودة في الأجهزة الأمنية غير معلنة، فلا نعرف كيف توزع الأموال ولا العلاوات ولا الامتيازات”.

وأضاف أبو زيد “الأمن يستغرق 26% أي ربع الموازنة، والتعليم 21%، ونحن نعتبر أن موازنة الأمن مرتفعة ويجب إعادة تخصيص بعضها إلى حساب وزارات التعليم والصحة والشؤون الاجتماعية؛ لأنها من تعزز صمود الناس على الأرض”.

ولفت إلى أنه ورغم ما يصرف على الموازنة الأمنية إلا أن هناك خللا وإشكاليات في طريقة إدارة الملف الأمني، “فهناك نقص في الشرطة وكذلك في الضابطة الجمركية التي ينبغي أن تقف لحماية المنافذ الأساسية من بضائع المستوطنات التالفة، فلما تصرف كل هذه الموازنة على الأمن إذن؟”، كما يتساءل.

إغلاق