التعليم بين التهديد والتفكك.. معلمٌ مُنهك، وطالبٌ ضائع، ومنهاجٌ مستهدف

رام الله – الشاهد| كتب فريد مرة: لم يعد الحديث عن أزمة التعليم في بلادنا ترفًا أو مبالغة؛ فالمشهد التربوي اليوم يقف على حافة الانهيار الحقيقي، حيث تتكامل ثلاثة عناصر أساسية—المعلّم، والطالب، والمنهاج—في دائرة خطر واحدة تهدد حاضر المجتمع ومستقبله وهويته.
أولًا: المعلّم… عمود العملية التعليمية الذي يتم تهميشه
كان المعلّم عبر تاريخنا حارس الهوية وحامل الوعي، وتبوأ مكانة اجتماعية راقية جعلته أحد أهم أعمدة صمود شعبنا. غير أنّ السنوات الأخيرة شهدت تراجعًا مؤلمًا في هذه المكانة، وسط ضغوط اقتصادية، وإضرابات متكررة، وانعدام حلول جذرية تعالج جذور الأزمة.
إن استمرار تآكل مكانة المعلّم، ماديًا ومعنويًا، لا يعني فقط تراجع مستوى التعليم، بل هو ضرب مباشر لقدرة المجتمع على الحفاظ على وعيه وهويته. وقد خلص مقال سابق بعنوان “أنقذوا المعلم تنقذون الوطن” إلى أن إنقاذ النظام التعليمي يبدأ من إعادة الاعتبار للمعلّم وإعادته إلى موقعه الطبيعي.
ثانيًا: الطالب… الضحية الأكبر لسلسلة الأزمات
يتعرض أبناؤنا اليوم إلى حالة تجهيل قسري لم يسبق لها مثيل. فقد خسر الطلاب خلال سنوات كورونا، وما تلاها من إضرابات وإغلاقات، ما يقارب 80% من التحصيل التعليمي الفعلي.
امتحانات الجودة والقياس تشير إلى مستويات متدنية تنذر بالخطر، بينما يفتقر الطلاب إلى المهارات الأساسية المطلوبة للتعامل مع تحديات القرن الحالي: التفكير النقدي، المهارات الرقمية، والقدرة على المبادرة والتواصل.
إن مستقبل آلاف الطلبة على المحك، ما يضع على عاتقنا مسؤولية البحث عن حلول بديلة، من بينها تفعيل التعليم الشعبي كرافدٍ ومكمّل للتعليم الرسمي، من أجل سد الثغرات وحماية أبنائنا من الوقوع في دائرة الضياع.
ثالثًا: المنهاج… استهداف مباشر للرواية والهوية
من أخطر ما يواجه العملية التعليمية اليوم هو التغييرات الجوهرية التي تطال المناهج، حيث يجري تفريغها تدريجيًا من مضامينها الوطنية والرواية الفلسطينية، تحت شعارات “تعزيز السلام” .
هذا التحول لا يمس المضمون التعليمي فحسب، بل يستهدف الوعي الجمعي والذاكرة التاريخية، ويهدد بفصل الأجيال الجديدة عن جذورها، في وقت يفترض أن تكون المناهج حصنًا للهوية لا نقطة ضعف فيها.
والأخطر أن السلطة، تحت مظلة الالتزام باتفاقات أوسلو، لا تبدي اعتراضًا حقيقيًا على هذا المسار، ما يفتح الباب أمام استمرار العبث بالمحتوى التعليمي.
خاتمة: موقف وطني لا بد منه
إن المعلّم، والطالب، والمنهاج، والرواية، والهوية—جميعها—تتعرض اليوم لهجوم واضح ومباشر، يجعل من السكوت ضربًا من المشاركة في الخطر. المطلوب ليس فقط تشخيص الأزمة، بل إطلاق موقف وطني مسؤول يضع حدًا لهذا الانحدار، ويعيد الاعتبار للتعليم باعتباره بوابة حماية المجتمع وصيانة وعيه ومستقبله.
إنقاذ التعليم ليس مطلبًا نقابيًا أو قطاعيًا؛ بل هو قضية وطنية كبرى، دونها نفقد ما تبقى لنا من ثبات وصمود ووجود.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=98080





