حين تتحول الضفة الغربية إلى جبهة قتال جديدة
رام الله – الشاهد| خط الكاتب توفيق المديني مقالاً طويلاً تحدث فيه عن المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وتطورها، وتشكيلها لجبهة قتال جديدة في وجه الاحتلال، على الرغم من محاولات وأدها أو احتوائها من قبل السلطة، مشيراً إلى أن تلك المقاومة تشكل حائط السد أمام الأطماع والمخططات الإسرائيلية بالضفة الغربية وفيما يلي نص المقال كاملاً.
تأتي العملية الفدائية النوعية للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، بقتل ثلاثة من أفراد قوات الشرطة الإسرائيلية في عملية إطلاق نار وقعت قرب حاجز ترقوميا غربيّ الخليل في نهاية شهر أغسطس 2024، بعد وقوع عمليتين متزامنتين انفجرت خلالهما سيارتان في غوش عتصيون جنوبيّ الضفة وكرمي تسور القريبة، ردًّا على عدوان جيش الاحتلال الصهيوني المتعدد الأطراف، الذي اجتاح المدن والبلدات الفلسطينية في شمال الضفة الغربية مخلفًا شهداء ومصابين، فيما تتوالى التحذيرات الإقليمية والدولية من خطورة الوضع في الضفة بسبب “استخدام الجيش الإسرائيلي والمستوطنين عنفاً عشوائياً ضد المدنيين الفلسطينيين”.
وتشكل حرب دولة الاحتلال الصهيونية على مدن الضفة الغربية: جنين وطولكرم وطوباس والخليل بهدف الاستيلاء عليها، تطبيقًا لإستراتيجية الضم الصهيونية القائمة على عقائد إيديولوجية عنصرية إلغائية متطرفة تقودها الحكومة الصهيونية الفاشية بزعامة نتنياهو، وذلك بعدما تحولت حرب الإبادة الجماعية المتواصلة على غزَّة إلى نقطة انهيار بالنسبة للنظام الدولي القائم على الرؤية الأمريكية الأحادية.
ويُعَدُّ هذا العدوان الصهيوني على الضفة الغربية أوسع حملة عسكرية في شمال الضفة، وهو أسوأ من عملية السوق الواقي عام 2002، التي نفذت بموجب خطة عسكرية مفصلة كانت قد وضعتها دائرة التخطيط في الجيش الصهيوني عقب المواجهة الدامية بين قوات الاحتلال وبين الشرطة الفلسطينية في شهر سبتمبر 1996،التي قتل فيها مائة رجل شرطة فلسطيني و19 جندياً صهيونياً،والتي وقعت بسبب قرار حكومة نتنياهو وقتذاك بفتح نفق تحت أسوار القدس القديمة.
العدوان على الضفة الغربية
يؤكد المحللون و الخبراء من خلال تقاريرهم الواردة من الداخل الفلسطيني أنَّ العدو الصهيوني يستخدم في عدوانه الجديد على الضفة الغربية ، قوّاتٍ عسكريةٍ كبيرةٍ، يرافقها قصفٌ جويٌّ من المسيّراتِ والطيرانِ الحربي، وتشمل، في مرحلة أولى، تصفياتٍ جسدية واعتقالات للمقاومين الفلسطينيين، وتدميراً ممنهجاً للبنية التحتيّة، بغرض التقويض التدريجي لأساس الكيان الفلسطيني المُستقبلي، بموازاة تكثيف وتوسيع الاستيطان، وإجبار السكّان على الهجرة. وتصاعدت اعتداءات جيش الاحتلال الصهيوني على الفلسطينيين في الضفة الغربية، فضلا عن هجمات المستوطنين، ما أسفر عن استشهاد 685 فلسطينيًا، وإصابة 5700 آخرين، وتنفيذ حملة اعتقالات طالت 10400 آخرين ،منذ بدء عملية طوفان الأقصى في 23أكتوبر 2023.
يقوم الغزو الصهيوني الجديد لمدن وبلدات ومخيمات الضفة الغربية في ظل الظروف الفلسطينية و العربية و الدولية الراهنة:
أولا:وجود السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس المتمسكة باتفاقيات أوسلو الموقع في واشنطن عام 1993،و التي تحولت بموجبه إلى أداة للإحتلال الصهيوني على مرِّ ال21 عامًا لغاية الآن ، حيث توظف أكثر من 45 ألف شرطي فلسطيني لمطاردة المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، والتبليغ عن المقاومين الفلسطينيين النشيطين لدى أجهزة العدو الصهيوني العسكرية و الإستخباراتية،وقمع السكان المتعاطفين مع المقاومة. إنّ هؤلاء ال 45ألفًا من رجال الشرطة الفلسطينية المسلّحين يمثّلون قوّة إضافيّة لجيش الاحتلال الصهيوني.
كتب الخبير في الشؤون الفلسطينية خالد الجنديإن تقريرًا مثيرًا نشره في “فورين أفيرز” الأمريكية..تحت عنوان “سقوط الطاغية محمود عباس” بتاريخ 31أغسطس 2024، جاء فيه:على الرغم من جهوده لتحقيق اتفاق سلام مع الاحتلال الإسرائيلي، فإنَّ عباس أهمل الوحدة السياسية الداخلية، ما أدى إلى فشله في كلا الجانبين.ويضيف أنَّ “عباس أظهر تناقضًا واضحًا بين قيادته واحتياجات الشعب الفلسطيني، ما ساهم في تدهور شعبيته ووضح دور عباس في الانقسام السياسي بين حركتي فتح وحماس، وفشله في تقديم استراتيجية واضحة للتحرر الوطني”.
وتحدث كاتب التقرير عن ازدراء عباس لأي مشروع وحدة سياسية بين الفصائل، معلقا بأنَّ “من المحير أن يبدي زعيم سياسي، وخاصة زعيم غير شعبي مثل عباس، في لحظة من الصدمة الوطنية واليأس الوجودي، مثل هذا الازدراء الصريح لعرض الوحدة الوطنية”.
وتابع: “في كلتا الحالتين، كان رفض عباس المتغطرس للخطة بمثابة تسليط الضوء على سمتين مميزتين لحكمه الذي دام قرابة العشرين عاماً -الانفصال العميق عن شعبه وعدم الرغبة في الترويج لاستراتيجية متماسكة للتحرير الفلسطيني. إذا كان التاريخ المؤلم للفلسطينيين قد علمهم شيئاً، فهو أن أموراً سيئة تحدث لهم عندما لا يكون لديهم زعماء جديرون بالثقة. وهذا هو حال عباس اليوم”.وأضاف: “لقد تحول عباس، الذي كان يُنظَر إليه ذات يوم باعتباره صانع سلام ومصلحاً سياسياً واعداً، إلى حاكم استبدادي ضيق الأفق ومتقلب المزاج، وله سجل حافل بالفشل”.
ثانيًا: يجري هذا الغزو الصهيوني للضفة الغربية في ظل النظام الرسمي العربي الاستسلامي ، المنقسم بين أنظمة صامتة،وأنظمة متفرّجة ،وأنظمة متخاذلة، وأنظمة حليفة ومطبعة مع الكيان الصهيوني، وعلى رأسهم النظام المصري الذي وقع معاهدة كامب ديفيد في واشنطن عام 1979،حيث خرجت مصر أكبر قوة عربية عسكريا وبشريا من معادلة الصراع العربي الصهيوني منذ 46 عامًا، وجعلت السلطة فيها، مثلها مثل سلطة أوسلو الفلسطينيّة، تعتمد في بقائها على التنسيق مع الاحتلال الصهيوني و الإمبريالية الأمريكية.
فهذه الأنظمة العربية التي قامت بتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، مثل مصر والإمارات العربية المتحدة والمغرب والمملكة العربية السعودية، تُعَدُّ نظمةً خائنةً للقضية للفلسطينية وشعوبها من أجل الحفاظ على السلطة والنفوذ الإمبريالي الأمريكي في إقليم الشرق الأوسط، علمًا أنَّ هذه الأنظمة بعيدةٌ كل البعد عن الواقع الجيوسياسي الجديد، وهي تستهدف مثلها في ذلك مثل الكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية تصفية محور المقاومة الفلسطينية والعربية الذي يستند إلى قوة إقليمية داعمة له ألاوهي إيران، فضلاً عن خوفها من المقاومة المتصاعدة من الأسفل، في إشارة للشعوب العربية.
ثالثًا: النفاق الدولي الذي تمارسه الإمبريالية الأمريكية المنحازة بإطلاقية للكيان الصهيوني منذ بداية حرب الإبادة الجماعية على غزّة. ومن المُرجَّح أنّها ستستمرّ في إطلاق المناشدات، ولن تفعل أكثر من ذلك، بل لن تتخلّى عن مساندة “إسرائيل” عسكرياً وماليًا وسياسياً ودبلوماسيا في المحافل الدولية.”إسرائيل” هي بمنزلة ثكنة عسكرية إستراتيجية للولايات المتحدة، لعبت هذا الدور حلال الحرب الباردة في مواجهة المد القومي العربي الناصري و البعثي، وتأثير الاتحاد السوفياتي في المنطقة.كما أنَّ الحفاظ على سيطرة الإمبريالية الأمريكية على أسواق النفط، كان سببا من الأسباب التي دعمت فيها “إسرائيل”، لكن ذلك الوضع يتغير، وباتت الولايات المتحدة اليوم أهم منتج للنفط على وجه الأرض.
ورغم أنَّ الإمبريالية الأمريكية دفعت ثمنًا باهظًا عسكريًا وماليًا وبشريًا طيلة العقود الماضية، فقد كان دعم الولايات المتحدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، هو السّبب الرئيس وراء هجمات 11 أيلول/ سبتمبر2001، وكذلك خلال حرب أكتوبر 1973،زمن است
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=75256