كيف استطاعت “إسرائيل” تحييد الضفة

كيف استطاعت “إسرائيل” تحييد الضفة

رام الله – الشاهد| كتب ياسين عز الدين: بعد السابع من أكتوبر اعتقد كثيرون أن إسرائيل ستسحب قواتها من الضفة إلى غزة مما يعطي المقاومة مساحة للعمل، إلا أن ما حصل العكس تمامًا حيث عزز الجيش وجوده في الضفة.

مشكلة غالبية الناس أنهم لا يأخذون بعين الاعتبار أن إسرائيل تعلمت من تجاربها السابقة واتخذت إجراءاتها وتأخذ بالحسبان أسوأ السيناريوهات ولديها موارد كبيرة، بينما نواجهها بنفس أساليبنا وتكتيكاتنا المكشوفة، لذا لا تتوقعوا الكثير، طبعًا لا ننسى دور السلطة الذي لا يمكن تجاهله.

سألخص أهم العوامل التي ساعدت إسرائيل بتحييد الضفة:

1- تحييد العامل الشعبي من خلال التعزيزات الأمنية والحواجز في الضفة والداخل، والاعتقالات الاستباقية للشخصيات الشعبية المركزيين، واستنزاف مناطق المواجهات بضربات استباقية من خلال المداهمات الدائمة والتنكيل بالناس.

فتكثيف الجيش في الضفة لم يكن هدفه حراسة المواقع والمستوطنات بل استنزاف المجتمع من خلال الهجمات المتكررة والمداهمات والاعتقالات.

اعتقلت إسرائيل منذ بدء الحرب أكثر من 13 ألف فلسطيني مع تركيز على الأشخاص المركزيين في التنظيمات والحراكات الشعبية.

2- تحييد المقاومة من خلال تشديد الرقابة على تهريب السلاح والمواد التي تستخدم بالتصنيع سواء القادمة من الداخل أو الأردن.

ولا ننسى منظومة مراقبة متطورة جدًا بناها الاحتلال خلال عشرين عامًا، مكونة من شبكة هائلة من كاميرات مراقبة والتجسس على الهواتف وطائرات مسيرة ووسائل أخرى والاستعانة بالذكاء الصناعي لتحليل المعلومات.

بالإضافة لتكثيف سياسة الاغتيالات والتصفية للمقاومة في شمال الضفة.

3- لعبت السلطة دورًا هامًا في تمكين الاحتلال من دخول مخيم جنين وتوجيه ضربات قاصمة للمقاومة في شمال الضفة، وذلك منذ نهاية 2024 عندما بدأت العمل العلني مع الاحتلال وتناوب الهجمات بين الطرفين.

كان ذلك تطورًا خطيرًا في تنسيقها الأمني الذي يدور في ثلاث محاور: 1- تقديم المعلومات للاحتلال. 2- بث الإحباط في صفوف المجتمع واقناعه بعدم جدوى مقاومة الاحتلال. 3- اعتقال المقاومة.

فانتقلت السلطة بهذه المحاور الثلاث إلى مرحلة العلنية وزيادة كفاءة التنسيق مع الاحتلال.

4- تمكن الاحتلال (بالتعاون مع السلطة) من إعادة تشكيل وعي الناس في الضفة من خلال اقناعهم بعدم جدوى المقاومة وأن مصيرها إلى الفشل كما حصل بعد اجتياحات عام 2002م وما تلا ذلك، واليوم يلعبون على وتر عدم تكرار ما يحصل في غزة.

لهذا رغم تدهور الوضع في الضفة لا نجد انفجارًا لأن الناس وصلوا لمرحلة اليأس من التحرك سواء شعبيًا أو عسكريًا، كما أن الاحتلال يراعي مراحل التدرج في التضييق وخنق الناس.

5- اشغال الناس في دوامة الأزمات المالية والمعيشية، فلم تكن أزمة المحروقات خلال الحرب مع إيران صدفة بل لعبت على وتر غريزة البقاء حتى لا يفكر الناس باستغلال الحرب للانتفاض.

ونفس الشيء ينطبق على الخصم من المقاصة والرواتب المنقوصة وأزمة الشيكل في البنوك، كما أن الحواجز بحد ذاتها هدفها خنق الاقتصاد حتى يبقى المواطن يدور في دوامة الأزمات الحياتية.

ما الحل؟

لا توجد حلول سحرية لكن هنالك خطوات يجب السير بها:

أ- دراسة كافة السبل لإنعاش الساحة الشعبية والبحث عن بدائل للشخصيات المركزية المغيبة في سجون الاحتلال والتفكير خارج الصندوق، بالإضافة لإعادة تفعيل الدور الجماهيري للجامعات والمدارس الذي تم اجهاضه من خلال لعبة “الدوام الإلكتروني”.

ب- تجديد وسائل المقاومة الشعبية والبحث عن نقاط الضعف في المنظومة الأمنية بالضفة، مثل تكثيف إغلاق الطرق الاستيطانية بالحجارة.

ج- العمل على توعية الناس بجدوى المقاومة فهذا الذي ينقصهم، فالمعظم في الضفة يدرك الحاجة الملحة لعمل شيء ما لكن ما يقتلهم هو الخوف من المبادرة وعدم القناعة بجدوى المقاومة.

هذا الجانب مهم جدًا يجب العمل عليه بشكل دائم ودؤوب والتغيير لن يأتي في يوم وليلة، ويحتاج لخطة إعلامية محكمة.

د- المفاصلة السياسية مع السلطة، فالعلاقة الملتبسة مع السلطة تربك الناس بما يسمح للسلطة ببث الإحباط وتدمير المعنويات ونشر فكر عدم الجدوى.

العلاقة الملتبسة هي أن فصائل المقاومة تنتقد السلطة اليوم ثم تتحاور معها غدًا، هذا يجب أن ينتهي وأن يكون الموقف حاسمًا وواضحًا ولا أقصد الصدام معها إنما الموقف السياسي والإعلامي منها.

هـ – الاستعداد لليوم التالي: فجيش الاحتلال لن يستطيع البقاء بحالة استنفار في الضفة للأبد، ولا بد أن يضعف استنفاره في مرحلة ما وعندها يجب أن تكون المقاومة جاهزة للانطلاق فورًا واستغلال الفرصة.

و- التفكير بحلول عملية للتغلب على منظومات المراقبة بمختلف أشكالها ووسائلها.

إغلاق