سفراء فوق العادة.. وفوق المعايير أيضاً

رام الله – الشاهد| خط المحامي الفلسطيني حسن سليم مقالاً حول الفساد الذي يملأ ملف السفارات الفلسطينية وتعيين السفراء الفلسطينيين حول العالم، وذلك في ظل ناتج قيمته “صفر” للدبلوماسية الفلسطينية وتحديداً في ظل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من حرب إبادة، وفيما يلي نص المقال كاملاً.
سفراء فوق العادة، هكذا يُطلق عليهم في اللغة الدبلوماسية الرسمية، لكن المفارقة أن بعضهم بات فوق العادة والمعايير حقاً، لا في الأداء أو الحضور الوطني، بل في امتياز التعيين رغم غياب الكفاءة، وتحت مظلة الترضيات السياسية والشخصية.
ففي دولٍ تحترم نفسها، يُمنح اللقب تكريماً للجدارة، أما في حالتنا، فقد صار اللقب في كثير من الأحيان غطاءً لتقاسم المواقع، ووسيلة لتوزيع المكافآت، لا لخدمة السياسة الخارجية بل ترضيات ليس اكثر.
هكذا تحوّل السلك الدبلوماسي من مؤسسة تمثل الدولة إلى ساحة تراجعت من خلالها هيبة التمثيل بفعل غياب معايير التعيين الصحيح، واصبح بفعل النهج صوت الوطن في الخارج مبحوحاً وصورته ليس كما نستحق.
اليوم، يعود ملفّ السفارات والتعيينات فيها إلى الواجهة مجدداً، ليس لأن هناك حراكاً دبلوماسياً نشطاً أو توسعاً في تعزيز علاقاتنا الخارجية، بل لأنّ علامات الاستفهام تتكاثر حول آلية اختيار السفراء والمعايير التي تُعتمد في التعيين، ومدى انسجامها مع مفهوم الخدمة العامة والتمثيل الوطني.
ولما كان الأصل يفترض أنّ السلك الدبلوماسي هو واجهة الدولة وصورتها في الخارج، وأنّ من يُكلّف بمهمة السفير يجب أن يجمع بين الكفاءة السياسية، والخبرة القانونية والإدارية، والمعرفة العميقة بالقضايا الوطنية والعلاقات الدولية، إلى جانب تمتعه بسمعةٍ نزيهة وسلوكٍ يعكس هيبة الدولة واحترامها لذاتها، إلا أن الواقع القائم يكشف عن فجوةٍ واسعة بين المبدأ والتطبيق، وبدل أن تكون السفارات مؤسسات مهنية متخصصة، أصبحت – في كثير من الحالات – مواقع لتوزيع الجوائز والترضيات، دون النظر إلى الكفاءة أو الحاجة الفعلية.
إنّ غياب المعايير الموضوعية في الاختيار أدّى إلى تضخّم في عدد السفارات والبعثات، وبعضها بلا ضرورة حقيقية أو مردود سياسي، فيما يقابله ضعف في الأداء العام لتلك السفارات بسبب معايير الاختيار، ولعل الواقع خير شاهد عند النبش في قوائم أسماء السفراء والتعرف على الأسباب الحقيقية للتعيين، وهذا بالطبع ليس تعميماً، فثمة سفراء حاليون وسابقون مشهود لهم بالانتماء والعطاء، لكنّهم قلّة وسط مشهد تغلب عليه الحسابات السياسية لا المهنية.
وفي ظل ما يُثار من حديث عن الحوكمة والإصلاح الإداري لمؤسسات الدولة، بما فيها السفارات، فإنّ الحاجة باتت ماسة إلى منظومة تقييم ومساءلة تضمن أن يكون السفير خادماً للوطن لا مستفيداً منه، وأن يكون الاختيار وفق صحيح القانون ومعايير الجدارة لا المحاباة، فالسفير ليس لقباً تشريفياً، بل مسؤولية وطنية تمسّ سمعة الدولة ومكانتها، ولا يمكن أن يكون التعيين في السلك الدبلوماسي وسيلة لتحسين راتب أو وضعٍ معيشي لهذا الشخص أو ذاك، أو إرضاءً لزيد أو تجنبًا لزعل عبيد.
وعطفا على ما سلف، فانه لا يمكن وصف إصلاح هذا الملف بأنه ترف إداري، بل هو ضرورة وطنية، لأنّ الدبلوماسية هي صوت الدولة في الخارج، ولا يجوز أن يكون هذا الصوت مرتجفًا أو مشوشًا بفعل المحاباة والترضيات، وبدون دبلوماسية مهنية نزيهة، لا يمكن لوطنٍ محاصر بالتحديات أن يفرض حضوره أو يحمي مصالحه.
ولهذا فان فلسطين بحاجة اليوم لاعادة هيكلة شاملة للسلك الدبلوماسي، تقوم على معايير واضحة وشفافة، تضع الكفاءة والنزاهة في المقدمة، وتخضع الجميع للمساءلة الدورية، مع تحديد الحاجة الفعلية لكل بعثة وسفارة وفق رؤية استراتيجية للعلاقات الخارجية
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=94938