عن الانتهازية في زمن الإبادة

عن الانتهازية في زمن الإبادة

رام الله – الشاهد| خط الكاتب محمد أمين مقالاً حول انتهازية السلطة الفلسطينية التي لم يرق لها حالة التضامن العالمي مع قطاع غزة والمقاومة طوال عامين كاملين، ولم تبذل حتى جهودًا دبلوماسية بمستوى المقتلة الكبرى، وفيما يلي نص المقال كاملاً.

واضح أن إسرائيل قررت استدامة حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني وجعلها حرباً مستمرة ومتواصلة حتى القيامة، وهي المقاربة الوحيدة لدولة الاحتلال في تعاملها مع الفلسطينيين، وحتى المنطقة كلها، لكنها تعتبر أن الجبهة الفلسطينية هي الجبهة الرئيسية، وستواصل بمثابرة محاولاتها لحسم الصراع مع الفلسطينيين عبر تصفية القضية الفلسطينية.

وقد تحقق وقف إطلاق النار الأخير، كما هو معلوم، بضغوط أميركية، وبفضل صمود الشعب الفلسطيني، فلا شك لدينا في أن نتنياهو وحكومته الفاشية كانا لا يرغبان في إيقاف الحرب، وإن كان ثمة فائدة لهذا الاتفاق، فهي نجاح الفلسطينيين في إفشال مشروع التهجير، وإفشال استكمال إسرائيل للتطهير العرقي، والأهم وقف شلال الدم، ولو مؤقتًا، رغم الخروقات الإسرائيلية المستمرة، وينبغي استغلال هذه الفرصة في التعامل مع الواقع عقب عامين من الإبادة، بالدعوة مباشرة إلى تنفيذ اتفاق بكين الذي توافقت عليه الفصائل الفلسطينية، ووجوب وصول كل الطيف الفلسطيني لقناعة مفادها بأن محاولة تصفية الحسابات الفصائلية في وقت المذبحة خيانة للقضية الفلسطينية وخروج من مربع الوطنية الفلسطينية، وأنه لم يعد مسموحًا التساهل مع أي طرف حاول على مدار السنتين الماضيتين اتهام مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال بأنها المسؤولة عن الإبادة التي ترتكب بحق الفلسطينيين في غزة، ولم يترك فرصة إلا فوّتها في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

لم ترْقَ السلطة الفلسطينية حتى إلى مستوى النشطاء الدوليين والمنظمات الدولية وأحرار العالم الذين لم يتوقفوا طوال عامين كاملين عن التظاهر والضغط لوقف الإبادة، ولم تبذل حتى جهودًا دبلوماسية بمستوى المقتلة الكبرى، رغم بعض الجهود الفردية لممثليها في الأمم المتحدة وبعض الساحات، لكن سياسياً رددت السلطة في كثير من المراحل الكلاشيهات التي أطلقتها دولة الاحتلال، وكأن تاريخ الصراع بدأ في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وكأن الشعب الفلسطيني قبل ذلك التاريخ كان مستقلًا ينعم بدولة وسيادة ولا يعاني من شيء، رغم أن تلك السلطة هي التي أوقعت القضية في فخ أوسلو الكارثي الذي لم ينتهِ لشيء بعد 32 عاماً سوى تسريع الاستيطان والتهويد ومنح المحتل الوقت لفرض الوقائع على الأرض.

للأسف، وفي أحيان كثيرة كذلك، رددت السلطة أو بعض منسوبيها بشكل مباشر وغير مباشر روايات الاحتلال بأن حماس هي المسؤولة عن المذبحة وليس إسرائيل التي تمارسها والمتهمة من العدل الدولية بارتكابها، واستغل بشكل بالغ القبح عدد من ناطقيها مذبحة لم يشهد التاريخ لها ليرددوا عبارات في منتهى الانتهازية مخلوطة بالدم، ما جعل المشهد بالغ البشاعة، وانتهى الأمر بأن يتصدى مفكر يهودي لناطق فلسطيني، ويدافع ذلك المفكر اليهودي المنتصر لضميره الحيّ عن مقاومة الشعب الفلسطيني، بمواجهة ناطق فلسطيني يشتم مقاومة أبناء شعبه، ويبرئ المحتل من دمائهم.

لتحقيق الوحدة لا بد من الصراحة والمكاشفة، وتقييم أداء كل طرف، ومراجعة المسار الوطني العام في جلسات حوار وتقييم مغلقة، بعيداً عن الانتهازية الفصائلية التي تدوس ليس فقط القيم الوطنية، وإنما كذلك إنسانية الإنسان، فلا مبرر في الكون يبرر المقتلة الكبرى التي ارتكبتها إسرائيل، لذا فإن أبشع ما يمكن أن يفعله فلسطيني في زمن الإبادة، استغلال مقتلة كبرى ضد شعبه، في محاولة الاستفادة منها سياسياً، أو الولوج إلى بوابة جزء من وطنه على ظهر دبابة عدوه.

اليوم التالي فلسطينياً، يبدأ الآن، وكان مفترضاً أن يبدأ مع بداية هذه الإبادة، بدعوة من رئيس السلطة الفلسطينية الذي يختطف معه كذلك منظمة التحرير الفلسطينية، لتشكيل حكومة إنقاذ وطني فلسطيني، تقطع الطريق على كل قطّاع الطريق في الإقليم والعالم الذين ينظر بعضهم إلى قضية فلسطين على أنها عبء يرغبون في استغلال الفرصة للتخلص منه، فيما ينظر آخرون إلى قضية فلسطين على أنها مشروع عقاري يدرّ الكثير من المال من فوق الركام وعلى ظهر الآلاف من جثث الشهداء والأشلاء.

اليوم التالي فلسطينياً، هو إغاثة فلسطينيي غزة، وتضميد جراحهم، وتشكيل حكومة طوارئ لإدارة القطاع والضفة والتصدي للتهويد والاستيطان فيها، وقيادة وطنية على قاعدة مشروع وطني فلسطيني يستفيد من التضحيات المهولة والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ومقاومته والاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية والعزلة غير المسبوقة للاحتلال، وتحويل كل تلك التغيرات لإنجازات، فقضية فلسطين قضية سياسية وليست إغاثية في أصلها، هي قضية تحرر تتلخص في كلمات بسيطة: شعب محتل يطالب بحريته واستقلاله.

إغلاق