إلى أين محاكم محافظة جنين؟

إلى أين محاكم محافظة جنين؟

جنين – الشاهد| خط المحامي الفلسطيني علاء فريحات مقالاً حول استمرار تعطل عمل المحاكم في محافظة جنين على الرغم من عمل بعض المؤسسات الحكومية، معتقداً أن ما يجري هو تعطيل للقانون وإغلاق دون أي قرار رسمي، الأمر الذي يعطل مصالح المواطنين ومعاملاتهم، وفيما يلي نص المقال.

بينما تستمر الحياة اليومية في مدينة جنين بصورة طبيعية بحدها الأدنى، وتعمل المؤسسات الحكومية والخاصة بلا انقطاع، تقف محكمة بداية جنين في حالة من الشلل غير المُعلن، ويتعطل العمل بها منذ شهور طوال دون قرار رسمي أو مبرر قانوني واضح -ولا سبب منطقي لإبقاء المحاكم معطلة- فالمحامون والمواطنون يمنع عليهم تسجيل الدعاوى، والطلبات بإعادة وتيرة العمل ولو بحدها الأدنى تُرفض من اصحاب الاختصاص دون اكتراث لما وصل اليه الوضع، فالجلسات متوقفة كليًا رغم وجود القضاة والموظفين على رأس عملهم.

لا يخفى على الجميع أنه يمنع تسجيل الدعاوي وتقديم الطلبات في محاكم محافظة جنين دون مبرر أو سبب مشروع الأمر الذي جعل المواطنين والمحامين يتوجهوا للمحاكم خارج محافظة جنين لتسجيل قضاياهم وتقديم طلباتهم بسبب رفض تسجيلها في جنين؛ مما رتب على ذلك عبء كبير في متابعتها من قبلهم.

فهل من المنطق أن يرفض تسجيل الدعاوي في محكمة جنين بداعي الوضع الأمني وابواب المحكمة مفتوحة والموظفين وهيئات القضاة على رأس عملهم وفي مكاتبهم؛ بأي منطق سيفهم هذا الأمر سوى أنه أجحاف بحقوق المتقاضين.

العدالة لا تعرف الانتظار، وحق التقاضي لا يُعلَّق، حتى في زمن الحرب لقد كفل القانون الأساسي الفلسطيني هذا الحق، وفرض على مؤسسات الدولة أن تضمنه. واليوم، ونحن نشهد حالة من “الشلل غير المُعلن” في محاكم جنين، نرى الحقوق تُنتهك، والمصالح تتجمد، والناس تُترك لمصيرها دون بوابة للإنصاف.

هذه الحالة المقلقة تُنسب إلى “الظروف الأمنية” و “وجود الجيش الإسرائيلي في محيط المدينة”، لكن الواقع يشهد بأن الحياة في جنين تسير بوتيرتها المعتادة-برغم الآلم على الواقع-  فهل تُعرقل العدالة في حين تُفتح المحال والأسواق التجارية، وتُعقد الاجتماعات، وتُدار المؤسسات؟

أصبحت المحاكم فقط تنظر ملفات الحالات الأمنية دون القضايا الأخرى المتعلقة بالمواطنين؛ إذا كان الوضع الأمني لا يسمح بتسجيل القضايا في أقلام المحاكم ونظر الجلسات في الدعاوي الحقوقية لماذا لم ينسحب هذا الأمر الى القضايا الجزائية التي تباشر المحكمة في نظرها.. ماذا يمكننا أن نفهم من هذا الأمر.

الأخطر من ذلك أن حقوق المواطنين باتت في مهب الريح تأخرت القضايا، وتعطلت مصالح الناس، وتراكمت الطلبات دون معالجة، مما شكل مساسًا واضحًا بمبدأ “الحق في التقاضي” الذي كفله القانون الأساسي الفلسطيني، وضمانات العدالة التي يجب ألا تتوقف تحت أي ظرف، إلا بقرار واضح ومُعلن يستند إلى القانون، لا إلى تقديرات أو اجتهادات فردية.

لقد باتت محاكم جنين اليوم نموذجًا حيًّا لغياب التوازن بين مقتضيات الواقع ومتطلبات العدالة ومما يزيد المشهد قتامةً أن المواطنين باتوا يشعرون بأن العدالة لم تعد ملاذهم، وأن تأخيرها يُفهم كإنكار لها في الوقت الذي يتوجب فيه على مؤسسات الدولة وعلى رأسها السلطة القضائية أن تكون الحصن الأخير للحقوق والحريات.

المطلوب اليوم هو قرار واضح، وشجاع، يعيد فتح المحكمة بالكامل، ويعيد تنظيم العمل فيها، ويوجه الجميع للقيام بواجباتهم، احترامًا لحق الناس، وصونًا لمبدأ سيادة القانون.

نعم، نحن في مدينة جنين نعيش التحديات ولكننا لا نقبل أن تكون العدالة هي الضحية الأولى.

إن من واجبنا كمحامين، وأبناء لهذه المدينة، أن نرفع الصوت عاليًا، وأن نُطالب مجلس القضاء الأعلى بالتدخل العاجل لإعادة انتظام العمل في محكمة بداية جنين، وتوجيه الجهات القضائية والإدارية المختصة إلى القيام بدورها دون تردد أو تعطيل.

العدالة ليست ترفًا مؤجلًا، بل حاجة يومية لكل مواطن، وهي لا تنتظر حتى “تهدأ الظروف”، لأنها إن تأخرت، فسد المجتمع، وتلاشت الثقة في العدالة.

ختامًا، نقولها بصوت من لا يملك إلا قلمه وضميره:

إلى أين تتجه محاكم جنين؟ ومتى نعيد لها دورها الطبيعي كمنارة للحق لا تغيب؟

إغلاق