بين طقوس المجاملة ومطلب الإصلاح.. لماذا نحتاج حكومة إنقاذ وطني؟
رام الله – الشاهد| كتب المحامي د. حسن سليم: في لحظة وطنية تختنق بالأزمات وتضيق فيها مساحات الأمل، تبرز الحاجة الملحّة إلى فعل حكومي مختلف، يعكس الوعي بجسامة المرحلة، ويستجيب لمطالب الناس، ويعيد ترميم ما تهدّم من ثقة في جدوى المؤسسات.
غير أن المتأمل في المشهد العام للحكومة الفلسطينية، لا يجد سوى مزيد من الغياب عن أولويات الواقع، ومراكمة للخيبة العامة، وانشغال عجيب بتفاصيل بروتوكولية لا تسمن ولا تغني من جوع حيث تحولت المناسبات الرسمية إلى ساحة العرض الوحيدة التي تنشط فيها بعض الوزارات والمؤسسات.
فبدلاً من العمل على ملفات الإصلاح العاجلة، وتقديم حلول واقعية للأزمة المالية، وضبط الأداء العام، تجد هذه الجهات نفسها في سباق محموم للمشاركة في مناسبات محلية او خارجية – نعلم جميعا تكلفتها، وفي ذات الوقت غير ذي جدوى- أو حتى مناسبات مصطنعة – على قاعدة نحن هنا- والتقاط الصور، وتبادل الدروع، وتوقيع مذكرات تفاهم شكلية لا تثمر شيئاً، وكأنها تفضل الضوء على العمق، والمشهد على المعنى.
وفي هذا السياق، لم يكن مستغرباً أن توقع وزارة الثقافة اتفاقاً مع سلطة الطاقة لتعزيز ثقافة الطاقة- وكأن القيام بالواجب يحتاج لمذكرة تفاهم- في وقتٍ لا وجود فيه لمشروع ثقافي واضح، ولا بنية تحتية ثقافية فاعلة، ولا حتى جدول عمل معلن له، وكأن المطلوب هو ملء الفراغ السياسي بمراسم شكلية تعطي انطباعاً زائفاً بالحيوية، فيما الواقع الثقافي يئنّ تحت الإهمال، والمؤسسات تنتظر الحد الأدنى من الجدية.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يمتد ليعكس ذهنية إدارية، تُقايض الفعل بالتواجد، وتستبدل التخطيط بالظهور، وتُراكم الصور بدلاً من النتائج، فيما تتصاعد معاناة الناس، ويتآكل الراتب، ويغيب الأفق الاقتصادي، وتبقى الحكومة حبيسة دائرة المجاملات الرسمية، منشغلة بما لا يُفيد، ومُقصّرة فيما يُفترض أن يُنجز.
إن هذا النمط من الأداء لا يُنتج دولة ولا يبني مؤسسات، بل يُحوّلها إلى مسرح مناسبات، يُمارس فيها الحضور الرمزي، بدلاً من القيادة الفعلية، وهو ما يطرح أسئلة حقيقية حول جدوى استمرار هذا النموذج في الاداء، ومدى قدرته على التعامل مع المتغيرات، والضغوط المتراكمة، والانفصال المتزايد عن الناس، والادهى من ذلك وأمر، كيف يتم تسويقه إعلامياً دون الأخذ بعين الاعتبار ماذا يريد المواطن ان يلمس على الارض من افعال ويسمع من قرارات .
من هنا، فإن الحاجة إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني لم تعد ترفاً سياسياً أو رفاهاً فكرياً، بل أصبحت ضرورة وطنية وحاجة مؤساتية ومجتمعية ملحة، تعكس استجابة جدية لحالة الانهيار الزاحف، برؤية إنقاذية، وإرادة إصلاحية، وأذرع تنفيذية، لا تسعى للتعايش مع الأزمة، بل إلى اقتلاع جذورها.
حكومة انقاذ وطني تعيد تعريف الوظيفة العامة كأمانة لا كامتياز او استعراض علاقات عامة ” شوفيني يا رجارة” او للتكسب منها، وتعيد ترتيب أولويات الدولة، وتمنح الكفاءة مكانها ومكانتها، وتحاسب التقصير أينما وُجد.
نعم حكومة إنقاذ وطني، انقاذ حقيقي وليس شكلي، ووطنية بالاسماء والانتماء، لا تسعى لإرضاء أحد، بل لطمأنة الجميع بأن الوطن ما زال ممكناً، وأن الدولة لم تُختطف بعد، وهذا يقين مختلف مكونات شعبنا ان الوطن يتسع ويجب ان يتسع دوماً، وان الدولة لا يمكن اختطافها، لان الدولة نحن كلنا، وليس اركانها المادية النظرية، وهذا يتحقق لما يفهم ويعي معنى الوطن والدولة.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=91528