أنأكل الطعام وغزة تحترق؟!

رام الله – الشاهد| خط الكاتب محمود كلم مقالاً حول جريمة التجويع التي يتعرض لها أهالي قطاع غزة وسط حالة من الخذلان والمشاهدة من قبل الدول العربية والعالمية، والتي لم تحركها مشاهد الهياكل العظمية لأطفال غزة، وفيما يلي نص المقال كاملاً.
“أنأكلُ الطعام، ونلبسُ الثياب، وبنو هاشمٍ هلكى؟!”صرخة أطلقها زهير بن أبي أمية، أحد كفار قريش، في زمن الجاهلية، حين بلغ به الوجدان والمروءة أن يرفض الظلم، لا لأنه مسلم، بل لأنه إنسان.
رفض أن يهنأ بلقمة طعام بينما تُحاصر بطونٌ جائعة، ويُمنع عن أهلها البيع والشراء، فقط لأنهم تمسكوا بمبدأ. هبّ زهير، وقال كلمته، وأعلن موقفه في وجه صحيفة القطيعة الظالمة، وقال: “والله لا أقعد حتى تُشَقَّ هذه الصحيفة القاطعة الظالمة.
“فهل بقي في هذا الزمن من يشبه زهيراً؟ هل بقي من يرفض أن يأكل وهو يعلم أن في غزة من لا يجد خبزاً؟ هل بقي من يمتنع عن البهجة، وهو يرى جثث الأطفال تزيّن الأرض في رفح وخان يونس وجباليا؟ هل بقي من تحركه ذرة من مروءة الجاهلية، بعدما غابت عن وجوه العرب والمسلمين حتى مروءة الإنسانية؟ اليوم، في القرن الحادي والعشرين، في عصر الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي ومؤتمرات السلام، تُباد غزة على مرأى ومسمع من العالم كله. يُحاصر أهلها، يُمنعون من الدواء، ويُقصفون في المشافي والمدارس والمخيمات، ويموتون وهم يفتشون في ركام منازلهم عن رغيف. تُبتَر أطراف الأطفال، وتُدفن النساء أحياءً، ويطحنُ الشيوخ تحت جنازيرِ الدباباتِ.
غزة لم تُحاصر تسعة أيام كما حُوصِر بنو هاشم، بل حوصرت سنوات، بل عقوداً، دون أن يشقّ أحد صحيفة الظلم التي كتبها العالم.من ينقذ غزة؟من يصرخ: “أنأكل الطعام، وأهل غزة جوعى؟!”في الجاهلية، لما وقع الظلم، نطقت الألسنة واهتزت القلوب. أما اليوم، فقد خرس الصوت، وصمتت العواصم، وخضعت الشعوب، ونام الضمير.حكامٌ يهرولون نحو التطبيع، وآخرون يرفعون شعارات الحياد والتهدئة، وكأن الحياد في المجازر فضيلة.
شعوبٌ مُنهكة، ووسائل إعلام مشغولة بالمهرجانات، والمسلسلات، والتفاهة.لقد مات الضمير، ولم يبقَ من العروبة إلا اللغة، ومن الإسلام إلا الاسم.غزة تُباد، وفلسطين تُذبح، والعالم العربي والإسلامي يعيش حالة موت سريري.لا أحد يصرخ كما صرخ زهير.لا أحد يقف كما وقف سعد بن أبي وقاص، أو عمر، أو علي، أو صلاح الدين.أمة المليار مسلم تبدو وكأنها تُقبر وهي حيّة؛ لا تحس، لا تهتز، لا تثور.
كانت جاهلية الأمس أشرف من حضارة اليوم.في الجاهلية، كان هناك رجال، وكان هناك ضمير.أما في زمن المكيفات وناطحات السحاب، فقد ماتت المروءة، وسقطت الرجولة، وذُبح الإنسان. في الجاهلية، وقف رجلٌ كافر في وجه قبيلته، وأبطل صحيفة الظلم.أما اليوم، فالمسلم يمرّ على المجازر مرور الكرام، وربما يلوم الضحية على موتها.في الجاهلية، حرّك الجوع القلوب.
أما اليوم، فالجوعى يحرّكون “الترند” لبضع ساعات، ثم يُنسَون.يا أمةً أكلها الذل…أما آن لكِ أن تصحي من موتك؟ أما آن لكِ أن تقولي: كفى؟أما آن لكِ أن تتذكّري زهيراً الكافر، فتخجلي من صمتكِ وأنتِ تقرئين القرآن؟!قال أحدُ الشُّعراءِ:لقد أَسمعتَ لو ناديتَ حيّاً *ولكن لا حياة لمن تُناديولو ناراً نفختَ بها أضاءت *ولكن أنتَ تَنفُخُ في رمادِ*[محمود كلّم]- كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=91554