حين تصبح الفرحة خللًا أخلاقيًا

رام الله – الشاهد| خط الكاتب الفلسطيني خالد فحل مقالاً حول انسلاخ البعض الفلسطيني من أخلاقه والقيام باحتفالات صاخبة ابتهاجاً بنتائج الثانوية العامة في ظل الإبادة والتجويع المستمرة ضد أهالي سكان قطاع غزة منذ قرابة العامين، وحرمان طلبة الثانوية العامة في غزة للعام الثاني على التوالي من تقديم الامتحانات بسبب الحرب، وفيما يلي نص المقال كاملاً.
في كل عام، ومع صدور نتائج الثانوية العامة، تعيش بعض المدن الفلسطينية على وقع الزغاريد والمفرقعات، وتتحول الشوارع إلى ساحات احتفال صاخب، تتصدر فيها مشاهد الفرح وسائل التواصل الاجتماعي، وتغيب عنها — عمدًا أو نسيانًا — مشاهد المعاناة في غزة.
في ذات اللحظة التي يُرفع فيها الناجح على الأكتاف هنا، ثمة أم في غزة ترتجف من الجوع، وطفل يصرخ “أنا جوعان”، وعائلة تلملم أشلاءها من تحت ركام منزل قصفه الاحتلال. هناك من يُشيّع شهيدًا بصمت، وهناك من لا يجد ثمن الخبز، وهناك من لا يملك حتى مقعدًا في صفٍ دراسي كي يحلم بالنجاح مثل غيره.
الفرح بنجاح الأبناء مشروع، ومفهوم، بل ومطلوب، ولكن حين تنفصل مشاعر الفرح عن واقعنا الجمعي، وتتحول إلى استعراض لا يراعي جراح الآخرين، فإننا نكون أمام خلل أخلاقي عميق، لا يمكن تبريره. نحن شعب واحد، يتقاسم الأرض والدم والمصير، ولا يجوز أن تضاء سماء رام الله أو نابلس بالألعاب النارية، بينما تُطفأ أرواح الأطفال في غزة جوعًا وقهرًا.
ما يحدث من مظاهر احتفال مفرطة وسط كارثة إنسانية هو انفصام سلوكي وأخلاقي يجب أن نقف أمامه بمرآة الضمير. ليس المطلوب أن نكتم الفرح، بل أن نعبّر عنه بوعي ومسؤولية واحترام لآلام شعبنا الجريح. التضامن لا يكون بالشعارات وحدها، بل بأن نحسّ أنين من يتألم، ونحترم لحظة وجعه، ونشعر أننا جزء من وجعه لا غرباء عنه.
لقد تحولت بعض مظاهر الاحتفال إلى ما يشبه التنكّر لمأساة غزة، وكأنّ هناك شعبين لا علاقة لأحدهما بالآخر. وهذا أخطر ما قد يصيب الشعوب في قضاياها المصيرية: فقدان الإحساس بوحدة المصير.
إن كانت فرحتنا تجرح مشاعر أهلنا في القطاع، وإن كانت المفرقعات التي نطلقها تسحق شيئًا من إنسانيتنا، فلتكن فرحة صامتة، أو فلنصمت تمامًا، احترامًا لمن يموت نيابة عنا… ونحن مشغولون بإشعال المفرقعات بدلًا من إشعال الضمير
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=91611