رياض المالكي.. “يهودا الأسخريوطي” و”غوبلز فلسطين”

رياض المالكي.. “يهودا الأسخريوطي” و”غوبلز فلسطين”

رام الله – الشاهد| لسنوات طويلة، تَصدّر رياض المالكي مشهد دبلوماسية السلطة الفلسطينية، متحدثًا باسم “الدولة التي تحت الاحتلال”، بينما في الواقع يمارس أدوارًا أمنية ووظيفية بغطاء دبلوماسي، تخدم أكثر ما تخدم مصالح الاحتلال لا الفلسطينيين.

وزير الخارجية الذي احتكر المنصب منذ 2009، لم يكن سوى أداة في مشروع سياسي يضمن بقاء السلطة ككيان وظيفي منزوع الإرادة، مهمته الأساسية احتواء الضفة الغربية، وتجميل صورة التنسيق الأمني، والترويج لفشل “حل الدولتين” كخيار أبدي لا بديل عنه.

من هو رياض المالكي؟

والمالكي يحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة من الجامعة الأمريكية، وقد عمل محاضراً في جامعة بيرزيت ما بين 1981م حتى 1996م.

أسس مركز بانوراما (المركز الفلسطيني لتعميم الديمقراطية وتنمية المجتمع) الذي تعاون مع جمعيات إسرائيلية لتنظيم مؤتمرات وندوات عن السلام، كما حضر اجتماعات في مركز شمعون بيريس للسلام في روما

ومع أن المالكي كان من المعارضين لإتفاق أوسلو بداية الأمر، وألقى في ذمه خطبا صاخبة، إلا إن انجرافه لاحقاً في عملية التطبيع مع الإسرائيليين أدى إلى طرده من صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

طرد المالكي من صفوف الشعبية رغم أنه رفيق الأمين العام الأسير أحمد سعدات، بعد أن تخلى عن مبادئ الجبهة في رفض اتفاق أوسلو، طمعا بمنصب وزير في حكومة سلام فياض.

رياض المالكي ويكيبيديا

حين أُسندت إليه وزارة الخارجية، لم يكن الهدف سوى استخدامه لتمرير السياسات دون ضجيج. ومن هناك، نسج شبكة واسعة من الولاءات داخل السفارات الفلسطينية، وأقصى كل من لا يسير على الخط.

السفارات في عهد المالكي أماكن للبطالة المقنعة، وأماكن لممارسة أقصى حالات الإضطهاد ضد الفلسطينيين، وبؤر لكتابة التقارير السرية لأجهزة الأمن الفلسطينية ضد أبناء شعبهم.

المالكي يعد أحد افرازات التسوية السياسية المسماة “اتفاقية أوسلو” التي أفرزت طابورا خامسا من الذين وقفوا ضد آمال وطموحات الشعب الفلسطيني، والذي أعتبر أن مشكلته الحقيقية لم تعد مع عدوه السابق بل مع شعبه الحالي.

يأتي على رأس هذا الطابور الدكتور رياض المالكي وزير الإعلام في حكومة سلام فيّاض عام 2007م، أو “غوبلز فلسطين» كما لقب في ذلك الوقت.

فقد أغرق المالكي الفلسطينيين بسيل من التصريحات المتهورة، والتقارير الكاذبة والمقالات التي تستخف بجهاد ونضال وتضحيات الشعب الفلسطيني.

فضيحة رياض المالكي

و”غوبلز” لمن لا يعرفه كان وزير الدعاية السياسية بعهد ادولف هتلر وألمانيا النازية، ولعب دورًا مهمًا في ترويج الفكر النازي لدى الشعب الألماني بطريقة ذكية، واشتهرت عنه مقولتان في مجال العمل الإعلامي:
“كلما كبرت الكذبة سهل تصديقها”
و”أكذبوا أكذبوا حتى تصدقوا أنفسكم ثم يصدقكم الناس”.

وصرح بعد توقيع اتفاق أوسلو ورفض الجبهة الشعبية للإتفاق: “إذا أراد عرفات أن يطلب حق اللجوء السياسي في إسرائيل فليفعل..!”

وعندما رفض مصطفى البرغوثي أن ينضم إلى حكومة سلام فياض التي شكلها بعد الانقسام في 15 / 6/ 2007 م كوزير للاعلام، جيء بالمالكي ليكون وزيرراً للاعلام، وأصبح ناطقًا باسمها، ولينضم إلى الطابور الخامس الدخيل على شعبنا، والمتصدرين في رئاسات وقيادات لاحق ولا استحقاق لأن يتربعوها ويتصدروها، وليبدأ بكيل التهم والتحريض ضد شعبه.

فساد رياض المالكي

تارة بأن حكومة الوحدة الشرعية بقيادة إسماعيل هنية حكومة الظواهري، وتارة باتهام العالقين على معبر رفح بأنهم مخربون ومسلحون وتلقوا التدريبات العسكرية في سوريا وإيران.

ثم صدر مرسوم رئاسي في 19 مايو 2009م يقضي بتسميته وزيراً للخارجية و شؤون المغتربين لنزع هذه الصفة عن فاروق القدومي الذي لم ينضو تحت جناح محمود عبّاس

فانتقل من لعب دور «غوبلز» إلى دور “يهوذا الإسخريوطي” التلميذ الخائن للمسيح –عليه السلام– ، وهو الذي واطأ الكهنة على الدلالة عليه بأجر، وهو الذي ألقي عليه شبه المسيح فصلب بدلاً منه ورفع المسيح – عليه السلام – إلى السماء.

وسجل “الإسخريوطي الفلسطيني” رقمًا قياسيًا من الإساءات بحق الفلسطينيين وقضيته بفترة وجيزة من توليه المنصب.

وأساء في عدد من مقالاته إلى المقاومة وقلل من شأنها وسخر من فاعليتها، وهاجم عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، واعتبر أنها أتت بضرر كبير على الفلسطينيين، دون أن يطرح بدائله لتحرير الأسرى والمعتقلين من سجون الإحتلال.

جرائم رياض المالكي

وكانت مقالاته تمهيداً للحملة التي نظمتها حكومة سلام فيّاض لسحب سلاح المقاومة في الصفة الغربية، ونزع الشرعية عنها، كما شكل غطاء لمندوب السلطة الفلسطينية في الأمم المتحدة رياض منصور لتقديم مشروع يعتبر المقاومة في غزّة خارجة عن القانون.

وكان المالكي المسؤول الأول عن إغراق غزّة بالظلام عندما صرح كذبا أن حماس تستولي على الأموال التي تجمعها شركة الكهرباء وتأخذ وقودها لتشغيل سيارات القوة التنفيذية، وأنها أقالت مسؤولين فيها وعينت بدلاً منهم، واستند الإتحاد الأوروبي إلى مزاعمه وأوقف دفع ثمن الوقود للشركات الإسرائيلية فقطعت الكهرباء عن غزّة، وبات الناس والمؤسسات والمستشفيات أياماً دون كهرباء.

لم تصمد كذبة المالكي طويلاً أمام الحقائق التي قدمتها الحكومة في غزّة للأوروبيين والرأي العام فعادت الكهرباء للقطاع، لكنها كانت سابقة شجعت الإسرائيليين على ممارسة الابتزاز بقطع الكهرباء بين الحين والآخر.

رياض المالكي السيرة الذاتية

وللمالكي مع معبر رفح تجربتان إنه في الوقت الذي كان فيه العالقون على المعبر من حجاج غزة عام 2007 يناشدون العالم للتدخل لتسهيل عودتهم إلى أهلهم و بيوتهم في غزة بعد عودتهم من موسم الحج، خرج عليهم المالكي بتصريح يعلن فيه أن بين العالقين 79 شخصا جاءوا من إيران وسوريا وقطر، وأن بعضهم تلقى تدريبات عسكرية، وأن بينهم امرأتين تحملان معتقدات سياسية متشددة.

وفي ذلك دعوة صريحة لإبقاء المعبر مغلقًا، كما لم يخف تقديره لإقفال المعبر أمام المسافرين من قادة حركة حماس الذين عملوا على إدخال الأموال إلى القطاع بحقائبهم.

وكان المالكي أكثر المصدومين والحانقين عندما فتحت مصر معبر رفح أمام حجاج غزّة لأنه راهن بأن الحجاج لن يخرجوا إلا عبر حكومة سلام فيّاض ومن المعبر الإسرائيلي، مدعيًا أن حكومته قد استنفدت كل الجهود دون جدوى، محملاً حماس المسؤولية عن عدم خروج حجاج غزّة.

وتزامنت تلك المساعي الرامية لتشديد الحصار على غزّة مع حملة شعواء شنتها أجهزة أمن السلطة على الجمعيات الخيرية ولجان الزكاة في الضفة الغربية، فأغلق معظمها وصودرت ممتلكاتها، وحلت اللجان المشرفة على بعضها، واستبدلت بأخرى مؤيدة لحكومة فيّاض وعبّاس، للحد من قوة ما أسماه المالكي بـ (إمبراطورية حماس المالية).

فضائح رياض المالكي

المالكي حدد المصادر المالية لها مع معبر رفح الذي أغلق، وطالب بتجفيفها مع لجان الزكاة والجمعيات الخيرية، والتجار والمستوردون والأنفاق.

هذه بعض إبداعات “الإسخريوطي الفلسطيني”، يضاف لها الكثير من التصريحات والمواقف المعيبة التي لاقت رفضًا حتى من بعض خصوم حماس، كوصفه لحكومة إسماعيل هنية بحكومة الظواهري، أو تأييده لقرار منع التظاهر في الضفة ضد مؤتمر أنابوليس، واتهام “حماس” في أحداث سيناء.

وبعد إعلان عبّاس بمايو 2020 م بالوقف الفوري للتنسيق الأمني، وكل التفاهمات والاتفاقيات مع الاحتلال، وإنسحابه من الإتفاقيات والالتزامات مع الحكومتين الإسرائيلية والأمريكية ردًا على التهديدات الاسرائيلية بضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، أعلن المالكي استعداده للقاء “إسرائيل” في موسكو.

اللواء توفيق الطيراوي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح شن هجومًا على المالكي، واتهمه بانه يغرد خارج السرب الوطني الجامع والموحد ضد إجراءات الإحتلال وعدوانه وتهديداته بضم الاغوار والضفة الغربية، ما اعتبر إعلان حرب شاملة على مكونات الشعب الفلسطيني مجتمعة.

وقال الطيراوي للمالكي: (حان وقت ذهابك إلى المنزل لمقابلة نفسك، لأنك لم تعد قادرًا على التعبير عن الحد الأدنى الدبلوماسي لطموحات الشعب الذي تمثله في الدبلوماسية العالمية كوزير خارجية”.

رياض المالكي تسيفي ليفني

المالكي كان شريكا في جريمة اغتيال أحد كوادر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الأسير المحرر عمر النايف في سفارة السلطة الفلسطينية في بلغاريا عام 2016، بطريقة مفضوحة، بل وتدخل لتغيير تقرير لجنة التحقيق.

تُدار وزارة الخارجية تحت قيادته بنظام مغلق، حيث الولاء الشخصي مقدَّم على الكفاءة، وتوزيع المناصب يعتمد على المحسوبية.

تقارير متعددة تحدثت عن تعيينات مشبوهة، وتجاوزات مالية، وصفقات مرتبطة بتأجير وتجديد السفارات بعقود ضخمة وغامضة.

وشملت ملفات فساد المالكي التي بحثها المجلس التشريعي سابقا تجاوزات قانونية ومالية وحتى وطنية.

وتبدأ من الفساد في توزيع الجوازات الدبلوماسية، والفساد في التعيينات لأقاربه وموالين لمتنفذين كبار في السلطة وفتح، وصولا للعمل ضد المشروع الوطني، والاحتفاظ بخط ساخن مع الاحتلال الإسرائيلي.

وتتضمن تعيين نجل نظمي مهنا مدير دائرة المعابر قنصلا في صربيا، ونجل شقيق زوجة محمود عباس سفيرًا باليونان، وأخيرا تعيين ابنة محمود الهباش في القنصلية الفلسطينية باسطنبول التركية.

واسطة رياض المالكي

وعام 2014، تم ترفيع رؤوف نجيب المالكي شقيق وزير الخارجية رياض المالكي سفيرًا لفلسطين في كولومبيا، رغم أنه لم يمض على تعيينه بدرجة مستشار أول سوى سنة وشهرين فقط.

وفي الأول من مايو 2013، تم ترقية وليد الشكعة ابن عضو اللجنة التنفيذية السابق لمنظمة التحرير غسان الشكعة من درجة مستشار إلى سفير بوزارة الشؤون الخارجية، علما انه لم يمض على تعيينه بدرجة مستشار أول سوى 4 شهور و20 يوما.

وقد بلغ فساد السفارات التي يديرها المالكي، أن أعضاء في الكنيست زاروا موسكو يوما ودعاهم السفير الفلسطيني إلى طعام العشاء. قالوا إنهم جلسوا في المطعم ونظروا بذهول إلى أنواع وكميات الأطعمة التي أخذ عاملو المطعم يضعونها على الطاولة.

وقالوا أيضا إنه لم يكن على طاولة العشاء سوى ثلاثة، والطعام الذي وضع يكفي لأكثر من 20 فردا، وهو من أشهى الأنواع. احتج أحدهم على الوضع قائلا إن هذا الطعام مكلف ويكفي عددا كبيرا من الناس، ولا يجوز أن يتحمل الشعب الفلسطيني التكاليف، فرد عليه السفير قائلا إن هذا الطعام من أموال الصمود، فكلوا واستمتعوا لكي تصمدوا مع الصامدين.

برنامج “بيكا” الذي يفترض أن يدعم التعاون الدولي باسم فلسطين، تحوّل في عهد المالكي إلى نافذة للتمويل السياسي وتحصيل العمولات، بلا رقابة ولا شفافية.

فساد سفارات السلطة

المثير أن المالكي شارك بلقاءات غير معلنة مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني ومسؤولين إسرائيليين، تمّت برعاية أوروبية.

الحديث بهذه الاجتماعات كان يدور حول “نزع سلاح المقاومة”، و”أمن إسرائيل أولاً”، و”الترتيبات طويلة المدى في الضفة الغربية” – كلها طروحات تتقاطع مع أجندة الاحتلال.

هذا “التنسيق غير الرسمي” هو امتداد طبيعي لدوره الوظيفي، الذي يكمّل عمل الأجهزة الأمنية على الأرض. كل ذلك جرى دون علم الرأي العام الفلسطيني، في ظل تكتّم إعلامي تام، ومساندة من شخصيات متنفذة داخل المقاطعة.

رغم كل الاتهامات – من الفساد إلى الخيانة – لم يُفتح تحقيق واحد بحق المالكي. بل على العكس، جُدّدت له المهام، وأُوكلت إليه ملفات “المحكمة الجنائية” و”الاعتراف الدولي”، رغم فشله في تحقيق أي نتائج تُذكر، باستثناء كسب الوقت للنظام السياسي المهترئ.

رياض المالكي ليس مجرد وزير في حكومة بلا سيادة، بل هو نموذج واضح لوظيفة “السلطة الأمنية المغلّفة بالدبلوماسية”. من موقعه، ساهم في حماية المشروع الاحتلالي، وتعزيز الانقسام، وإفراغ مؤسسات التمثيل الفلسطيني من معناها.

وإذا كانت هناك معركة حقيقية على التحرير، فبدايتها لا بد أن تكون بفضح هذه الأدوات، ومحاسبتها على ما ارتكبته من خذلان وتواطؤ باسم “القضية”.

إغلاق