محمود عباس عائق في وجه السلام؟

رام الله – الشاهد| كتب سهيل كيوان.. من الأمور المفاجئة والمثيرة لرفع الحاجبين تعجّبًا، أن تمنع الولايات المتحدة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وعددًا كبيرًا من المسؤولين من دخول أراضيها، للمشاركة في أنشطة الأمم المتحدة المزمع عقدها في أواخر سبتمبر القريب.
منع عباس يثير عجب الفلسطينيين أولًا، لأنّ عباس يطبّق الاتفاقات الأمنية الموقّعة مع إسرائيل بحذافيرها. لم يتوقّف عن مطالبة “حماس” بالاستسلام والخضوع للاحتلال، وأعلن أنّ من شروط السماح لأيّ فصيل فلسطيني بالمشاركة في الانتخابات الفلسطينية، هو الاعتراف بالشرعية الدولية؛ أي أنه يشترط الاعتراف بإسرائيل لكل من يريد المشاركة، من دون أي التزام من الجانب الإسرائيلي بهذه الشرعية أو بجزء منها.
أما “جريمة” عباس بنظر الإدارة الأميركية، فهي محاولته الحصول على اعتراف دولي بدولة فلسطين، والتوجّه بهذا الشأن إلى الأمم المتحدة. كذلك توجهه إلى المحكمة الجنائية الدولية عام 2015 للتحقيق في جرائم محتملة خلال عملية “الجرف الصامد” عام 2014. هذا يُعتبر نشاطًا أحاديّ الجانب. فممنوع السعي لاعتراف بدولة فلسطين ما لم يعطِ نتنياهو وبن غفير وسموتريتش الضوء الأخضر.
جريمة أخرى هي إعلانه معارضته للاستيطان في الضفة الغربية؛ وتصريحاته بهذا الشأن تُعدّ تقويضًا لجهود السلام. فالمطلوب منه أن يصمت على الاستيطان، وأن يكفّ لسانه عن المستوطنين، وألا يدعو الأمم إلى الضغط على إسرائيل للكفّ عنه.
كما يُعتبر انضمام السلطة الفلسطينية إلى نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية عام 2015، وطلبها التحقيق في مجازر وقعت في غزة عام 2014، إلى جانب الانتهاكات القانونية في الضفة الغربية بفعل الاستيطان، اعتداءً صارخًا على “حق إسرائيل في ارتكاب المجازر أو تغيير الطابع السكاني للضفة والقدس من دون محاسبة”.
وبحسب التبرير الأميركي، فإن محمود عباس منخرط في “نشاطات معادية للسلام”.
وتشترط إدارة ترامب وقف أي تحرك دولي مستقل، أي أن على عباس الحصول على موافقة نتنياهو للتوجّه إلى دول العالم طلبًا للاعتراف بفلسطين.
وإذا بادرت دولة ما للاعتراف، فعليه أن ينتقدها لأن هذا لا يخدم “عملية السلام”. وعليه التراجع عن طلب العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة، أو توسيع الاعتراف الدولي بها.
كما عليه القبول بـ”صفقة القرن” التي أعلنها ترامب عام 2020، والتي تعترف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وتُبقي المستوطنات، وتمنح الفلسطينيين شبه دولة مقطعة الأوصال، مشروطة باعتراف السلطة بإسرائيل “كدولة يهودية”.
أي أنّ على محمود عباس رفض قرارات الشرعية الدولية، وقبول الاستيطان كأمر واقع، بما في ذلك التوسع الاستيطاني المستمر. عليه مواصلة التنسيق الأمني بلا قيد ولا شرط، أي التشدّد في مواجهة أي بادرة مقاومة للاحتلال. وعليه تأكيد عدائه المطلق للفصائل التي تدعو إلى المقاومة المسلحة، وتسليم المقاومين، أو حتى الاشتراك في قتل من يرفض تسليم نفسه منهم. كما يُطلب منه الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل.
ببساطة وبكل وضوح، يريدونه عميلًا وقحًا في عمالته، وغطاءً قانونيًا أمام العالم والعرب لجرائم الاحتلال. يريدونه أن يعترف بحق إسرائيل في ممارسة “التخفيف الديمغرافي” من أجل الحفاظ على يهوديتها.
الموقف الأميركي – والإسرائيلي – من عباس وحكومته، يؤكّد أن الحرب في قطاع غزة ليست على “الإرهاب”، ولا على “حماس” أو “الجهاد”، ولا على “التطرف الإسلامي”، بل هي حرب على أبسط حقوق الشعب الفلسطيني، وعلى مجرد وجوده في وطنه.
إنه إعلان سافر للعداء ضد الشعب الفلسطيني كله، من غير تمييز بين فصيل وآخر، بعدما مُحيَ الفرق بين المسلّح وبين الطفل والمرأة المرضع والشيخ في غزة. وباتت الإبادة “حقًا من حقوق الدفاع عن النفس” التي يتمسّك بها نتنياهو، مدعومًا من ترامب، بكل قدرات أميركا المادية والمعنوية، والتي يستخدمها لتشريع تهجير أهالي غزة “إلى مكان أفضل للعيش فيه”.
كلاهما – نتنياهو وترامب – يعلنان بصراحة أن لإسرائيل الحق في ضمّ المزيد من الأراضي، حتى من الدول المجاورة لفلسطين، فـ”لدى العرب الكثير من الأراضي”.
وبهذا يصبح مجرد الوجود الجسدي لأي فلسطيني عائقًا في وجه السلام. وهذا ما يؤكد، مرة أخرى، أن لا خيار أمام الشعب الفلسطيني سوى وحدته، والتوقف عن استرضاء من لا يحلمون له إلا بالتدمير والتهجير.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=93356