مستوطنو الدم… إرهاب الدولة في الضفة الغربية
رام الله – الشاهد| خط الكاتب الفلسطيني اسماعيل الريماوي مقالاً حول تصاعد اعتداءات المستوطنين بالضفة الغربية، والتي تصاعد خلال العامين الأخيرين من الحرب على قطاع غزة والضفة الغربية، وذلك ضمن خطوات ضم الضفة الغربية، وفيما يلي نص المقال كاملاً.
تعيش الضفة الغربية منذ شهور على وقع تصعيد غير مسبوق في اعتداءات المستوطنين، الذين باتوا يشكلون الجناح الميداني الأكثر شراسة في المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، لم تعد الهجمات التي تستهدف القرى الفلسطينية مجرد أعمال عنف فردية أو ردود أفعال عشوائية، بل تحولت إلى منظومة منظمة ومدروسة، تشرف عليها الحكومة الإسرائيلية وتغذيها بالتحريض والدعم المالي والسياسي، في مشهد يعكس التزاوج الكامل بين المؤسسة الرسمية والعصابات الاستيطانية على الأرض.
في الأسابيع الأخيرة، اتسعت رقعة الهجمات لتشمل كل المحافظات تقريباً، من شمال الضفة إلى جنوبها، حيث تُحرق منازل الفلسطينيين وتُقتلع أشجار الزيتون ويُعتدى على المزارعين ويُمنعون من الوصول إلى أراضيهم تحت أنظار جنود الاحتلال الذين يقفون حراساً للمستوطنين، لم يعد ثمة فرق بين جندي يرتدي الزي العسكري ومستعمر يضع الكيباه، فكلاهما يطلق النار على الفلسطينيين بذات الذهنية، ذهنية التفوق والاقتلاع والسيطرة.
اللافت أن العنف الاستيطاني لم يعد هامشياً، بل صار سياسة دولة مكتملة الأركان، فالحكومة اليمينية المتطرفة، بقيادة نتنياهو وتحالفه الفاشي، لا تكتفي بغضّ الطرف عن جرائم المستوطنين، بل تمنحهم الشرعية والغطاء القانوني تحت ذرائع “الدفاع عن النفس” و“حماية الأمن”، وزراء مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش يتحدثون علناً عن ضرورة تسليح المستوطنين، ويصفونهم بـ“حراس الوطن”، في إشارة واضحة إلى أن الدولة تعتبرهم جزءاً من منظومة السيطرة لا عبئاً أمنياً.
إن ما يجري في الضفة الغربية اليوم ليس سوى تطبيق عملي لمبدأ “الضم الزاحف” الذي تسير عليه إسرائيل بخطى ثابتة، فحين تُمنع العائلات الفلسطينية من الوصول إلى أراضيها، وحين تُحرق مزارع الزيتون ويُجبر الأهالي على الرحيل خوفاً من الموت، تكون الخرائط السياسية قد بدأت تُرسم بالنار لا بالحبر. كل اعتداء استيطاني هو في جوهره عملية طرد جماعي بطيئة، تهدف إلى خلق بيئة طاردة للفلسطينيين وتوسيع رقعة السيطرة الاستيطانية دون الحاجة إلى قرارات رسمية أو اتفاقات معلنة.
الأخطر أن هذه الاعتداءات بدأت تتخذ طابعاً دموياً أكثر عنفاً، وسط تحريض غير مسبوق من قادة اليمين الإسرائيلي، الذين يرون في سفك الدم الفلسطيني وسيلة لتثبيت “يهودية الدولة” وإحكام القبضة على الأرض، هذا التحريض الذي يتغذى من خطاب الكراهية الديني والسياسي يفتح الباب واسعاً أمام تكرار مجازر قد تعيد إلى الأذهان مشاهد عام 1948، حين كان القتل أداة التهجير الكبرى في صناعة النكبة، اليوم تُعاد التجربة نفسها ولكن بأدوات جديدة، وبغطاء من حكومة تمتلك السلاح والقرار والإعلام.
في ظل هذا الواقع، يعيش الفلسطيني في الضفة الغربية بين نارين: نار الاحتلال الرسمي ونار المستوطنين الذين يمثلون ذراعه الشعبية، ومع أن المجتمع الدولي يكتفي بالبيانات الخجولة، فإن إسرائيل ماضية في تحويل المستوطن إلى جندي دائم والقرية الفلسطينية إلى ساحة اختبار دموية لمشروعها الإحلالي، فحين يُقتل الفلسطيني على أرضه، لا يُفتح تحقيق، وحين يُعتدى عليه، يُتهم هو بالإرهاب، لتكتمل حلقة الظلم التي تجعل من الضحية متهماً ومن القاتل بطلاً.
المشهد اليوم ليس مجرد تصعيد أمني بل فصل جديد من حرب الوجود التي تُشنّ على الشعب الفلسطيني منذ أكثر من سبعين عاماً. فالمستوطنون ليسوا مجرد متطرفين دينيين، بل هم أداة سياسية وجغرافية في يد الدولة، تنفذ ما لا يجرؤ السياسيون على التصريح به، إنهم جنود بلباس مدني، ينفذون مهمة واضحة: تهجير الفلسطينيين وابتلاع ما تبقى من أرضهم.
ومع كل شجرة تُحرق وبيت يُقتحم ومزارع يُضرب، يزداد وضوح الصورة: إسرائيل ليست دولة تتعايش مع المستوطنين، بل دولة يعيش فيها المستوطن كمؤسسة داخل المؤسسة، قوة فوق القانون، تحكم وتقرر وتقتل باسم العقيدة والدولة معاً، أما الفلسطيني الذي يقف في وجه هذا الطوفان الدموي، فليس مجرد ضحية، بل شاهد على جريمة تُرتكب أمام العالم بصمت دولي مريب، يبارك الجريمة بلسان الدبلوماسية ويغضّ الطرف عن حقيقتها الدموية.
فيما لم تعد السلطة مجرد صامتة على الجرائم، بل صارت شريكة بالصمت والفعل، تحرس أمن الاحتلال فيما يُذبح شعبها على الطرقات وتُحرق قراه ومزارعه، المفارقة أن من يُفترض به أن يحمي الفلسطيني أصبح يمنع عنه الحماية، ومن يتحدث باسم الدولة الفلسطينية بات جزءاً من منظومة الاحتلال نفسها.
إن استمرار هذا الدور الكارثي للسلطة، في ظل صعود الفاشية الإسرائيلية، يجعل المشهد أكثر قتامة، ويحوّل الضفة الغربية إلى مساحة مفتوحة لدم الفلسطينيين، بلا دولة تحميهم ولا مقاومة مسموح لها أن تردّ، وبينما تتكاثر بنادق المستوطنين، يُسحب السلاح من المقاومين، لتصبح المعادلة جلية: الفلسطيني أعزل في وطنه، والمستوطن مسلح فوق أرضٍ مسروقة، والسلطة تراقب بحسابات التنسيق لا بحسابات الكرامة، ويقال له مت بصمت ولكن لا تصرخ فصراخك يجعل لهم ذريعة قد تمنع الجلاد من القتل اكثر .
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=95597