غزّة… حين تسقط الأقنعة!
رام الله – الشاهد| خط الكاتب الفلسطيني محمود كلم مقالاً حول حالة الصمت والخذلان المتواصلة التي يتعرض لها أهالي قطاع غزة خلال وبعد حرب الإبادة التي استمرت عامين، وفيما يلي نص المقال كاملاً.
حين يصبح الصمت خيانة، والحياد وجهاً آخر للخذلان… تبقى غزّة وحدها شاهدةً على سقوط الأقنعة.
قال عبد الوهاب المسيري:
“يأتي زمانٌ يخرج فيه قومٌ يهود، وهم في الأصل ليسوا كذلك، إنما هم مسلمون يلعبون دور اليهود، يُمثِّلون الاحتلال خير تمثيل.”
ولقد جاء هذا الزمان، يا سيدي…
زمانٌ يُصلّي فيه البعض في المساجد ويُباركون للقاتل انتصاره، زمانٌ تُقصف فيه غزّة بالصواريخ، وتُقصف قلوبنا بالصمت.
ها نحن نعيش النبوءة بحذافيرها، نرى وجوهاً كانت تبكي للقدس تبتسم اليوم للقتلة، نسمع الشعارات القديمة تتساقط كأوراق الخريف، ونشاهد مَن يحمل أسماءنا ويتحدث لغتنا، لكنه يقف في صفّ العدو،
يُمثِّل الاحتلال خير تمثيل.
غزّة، يا وجعَ الأرض، يا طفلةً تنام على ركام بيتها وتغفو كأنها لا تعرف الخوف، ويا أُمّاً ودَّعت أبناءها ورفعت عينيها إلى السماء قائلةً: “اللهمَّ تقبّلهم شهداء.”
كم أنتِ عظيمةٌ في صبرك، وكم هم صغارٌ في خذلانهم.
العرب اليوم يكتبون بياناتِ الشجب بأقلامٍ من رماد، يرفعون شعاراتٍ لا تُسعف جائعاً، ولا تُضمِّد جراحاً، ويغلقون المعابر بوجوهٍ باهتة، كأنّ غزّة ليست منهم، كأنها من كوكبٍ آخر.
لكنّكِ يا غزّة لا تموتين؛ فكلّ قذيفةٍ تسقط عليكِ تُنبت طفلاً أكثر عناداً،
وكلّ بيتٍ يُهدم يُشيَّد في قلوب الأحرار ألفُ بيتٍ من العزّة والإيمان.
يا غزّة، أنتِ المرآةُ التي كشفت زيفهم،
وأنتِ النورُ الذي فضح عتمتنا.
صدق فينا قولُ المسيري، وها نحن نرى أقواماً يلبسون عباءةَ الإسلام، لكنهم يُمثِّلون الاحتلال خير تمثيل.
فليكتب التاريخُ أنهم خذلوكِ،
وليشهد اللهُ أنكِ لم تخذلي الحقَّ يوماً.
* محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=95635