غزة… من عار الحصار إلى عار التمنّن
رام الله – الشاهد| خط الكاتب الفلسطيني اسماعيل الريماوي مقالاً حول حالة الكذب المفضوح التي تقوم به أنظمة عربية وكذلك السلطة الفلسطينية حول تحركات كاذبة لوقف العدوان على قطاع غزة، وهو مشهد يتكرر مع كل نهاية حرب أو عدوان على قطاع غزة، وفيما يلي نص المقال كاملاً.
بعد كل حرب تشنّها إسرائيل على غزة، يخرج العرب الرسميون من سباتهم الطويل ليتحدثوا عن “انتصار الدبلوماسية” و“حكمة القيادة” و“دورهم في وقف العدوان”، وكأنهم لم يكونوا طوال سنوات الدم والرماد شركاء في الحصار والتجويع والخذلان، في كل مرة يطلّون بوجهٍ مصقولٍ بالكذب، يقدمون أنفسهم كوسطاء للسلام بينما كانوا وما زالوا جزءاً من آلة الحصار التي خنقت غزة وأطفأت مصابيحها وقطعت عنها الدواء والهواء.
لقد كان الدور العربي الرسمي، منذ اللحظة الأولى، ذراعاً مكملاً للاحتلال، يفرض القيود على المعابر ويشدد الرقابة على الحدود ويمنع حتى الأنفاس من العبور، يشارك في تجويع مليونين من البشر ثم يخرج ليمنّ عليهم بأنه يسعى لإدخال “مساعدات إنسانية”، وكأن من يمنع عنك الحياة يحق له أن يتفاخر بأنه أرسل لك قطرة ماء.
وما إن تتوقف القنابل وتخمد النيران، حتى يبدأ مشهد التزوير الجماعي للتاريخ، إذ تتسابق الأبواق الرسمية لتصوير الأنظمة التي تواطأت بالصمت والتنسيق الأمني والضغوط السياسية وكأنها صاحبة الفضل في وقف الحرب، بينما الحقيقة أن هذه الأنظمة لم توقف حرباً يوماً، بل أوقفت فقط أي شكل من أشكال المقاومة أو الوعي أو الكرامة داخل حدودها وخارجها.
يتحدثون عن “الثمن” الذي دفعوه، وكأنهم نزفوا من دمائهم أو جاع أطفالهم، بينما الشعوب وحدها من دفعت الكلفة، من ضرائبها المسروقة، ومن اقتصادها المنهوب، ومن صبرها على طغاة ينهشون قوتها باسم “المصلحة الوطنية” و“الاستقرار”، الشعوب هي التي تُقهر وتُقمع وتُسجن حين ترفع صوتها لغزة، أما الحكومات فهي من تعقد الصفقات في الخفاء وتُمسك العصا من وسطها لتنال رضى المحتل وتطمئن سيدها في البيت الأبيض .
أيّ نفاقٍ أشد من أن يقفوا على أطلال غزة بعد كل مجزرة ليتحدثوا عن “دورهم في وقف النار”، بينما كانوا شركاء في حصارها منذ أكثر من عقد ونصف، يغلقون المعابر حين تطلب الحياة أن تمر، ويفتحونها فقط حين يُطلب منهم تمرير صفقات الإذلال والتطبيع، أولئك الذين تاجروا باسم “القضية” ليتستروا على فسادهم الداخلي، يقدمون أنفسهم اليوم كمنقذين لشعبٍ كان ضحية لتواطئهم .
غزة لا تحتاج من يتمنّن عليها بوقف القصف، بل تحتاج من يكفّ عن خنقها حين تتنفس، لا تريد بيانات الشجب ولا قوافل الصور أمام الكاميرات، بل تريد ضميراً عربياً حقيقياً لا يخاف من قول الحق، ولا يساوم على دمها مقابل صفقة أو مقعد أو رضا حاكم .
وهكذا، حين تتحدث تلك الأنظمة عن “الدور العربي”، فإنها لا تقصد سوى دورها في الحفاظ على الاحتلال آمناً مطمئناً، ودورها في منع الموجة من أن تمتد، ودورها في كسر الإرادة الفلسطينية قبل أن تتحول إلى وعيٍ عربي شامل قد يشكل خطرا عليها، لقد نجحوا في تجويع غزة، لكنهم فشلوا في تجويع روحها، فهذه المدينة المحاصرة ما زالت تصنع الكرامة من بين الركام، بينما الأنظمة الغارقة في الفساد تصنع خطاباً من الأكاذيب لتغطي على خذلانها.
سيظل المشهد العربي مأزوماً ما دام الذين خذلوا فلسطين يتحدثون باسمها، وما دام الذين قهروا شعوبهم يزعمون الدفاع عنها، وحدها غزة رغم الألم والجوع، بقيت تقول الحقيقة: أن الحرية لا تأتي من القصور، بل من دماء الصامدين الذين لم ينتظروا منّةً من أحد .
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=95698