عباس والمقاومة: خيار السيادة في مواجهة استجداء السلام

رام الله – الشاهد| كتب مصطفى التل.. يشكّل الجدل القائم بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورؤية فصائل المقاومة الفلسطينية نقطة محورية في تحديد معالم مستقبل القضية الفلسطينية.
ويتمثل الجدل في المقارنة بين دولة فلسطينية منزوعة السلاح، كما يدعو إليها عباس، ودولة فلسطينية مكتملة السيادة، كما تطالب بها المقاومة.
هذا الصراع ليس مجرد اختلاف في الآراء السياسية, بل يعكس تجارب تاريخية وأبعاداً أمنية وسياسية واقتصادية معقدة، خصوصاً في سياق تطور منظمة التحرير منذ تأسيسها عام 1964, ف في تلك المرحلة الأولية، اعتمدت المنظمة على إستراتيجية الكفاح المسلح لتحقيق أهدافها الوطنية، رغم الانحرافات والتحديات التي واجهتها هذه الوسيلة آنذاك، كانت المقاومة المسلحة تُعتبر السبيل الأبرز لتحرير الأراضي الفلسطينية واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني.
مع مرور الزمن، تحوّلت منظمة التحرير نحو تبني نهج سياسي أقل تصادماً مع القوى الدولية والإقليمية، خصوصاً بعد مؤتمر مدريد في عام 1991 الذي أطلق عملية سلام الشرق الأوسط.
شكّل توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 نقطة تحول كبيرة. بموجب الاتفاق، أُنشئت السلطة الفلسطينية وحصل الاعتراف المتبادل بين الفلسطينيين وإسرائيل، وهو اعتراف اعتبره البعض خطوة نحو تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني السياسية رغم أنه كان محصوراً بحكم ذاتي محدود.
الاتفاقية وضعت أسساً لدولة فلسطينية منزوعة السلاح حيث أوكل لكل طرف مهام أمنية محددة: السلطة الفلسطينية مسؤولة عن الأمن الداخلي، بينما بقي الأمن الخارجي تحت السيطرة الإسرائيلية.
ومع أن الآمال الدولية عُلّقت على هذا النموذج، إلا أن الواقع أظهر هشاشة الطرح. إسرائيل واصلت توسّع المستوطنات والسيطرة على الأراضي الفلسطينية، مما عزز عدم الثقة بين الطرفين وأضعف إمكانية تحقيق السلام المنشود.
في المقابل، اعتُبرت الانتفاضتان الشعبيتان (1987 و2000) بمثابة رسالة قوية تشير إلى تمسك الفلسطينيين بحقوقهم ورفضهم للاحتلال، حيث نجحتا في إعادة القضية الفلسطينية إلى الأجندة الدولية وفي تأكيد دور المقاومة كأداة قوية للاستمرار في المطالبة بالحقوق المشروعة
عباس ينظر إلى فكرة الدولة المنزوعة السلاح كخطوة ضرورية لبناء الثقة مع إسرائيل وتقديم نموذج للتعايش وسلام دائم، رغم ما يحمله هذا الطرح من مخاطر تعزز عدم قدرة الدولة على الدفاع عن نفسها أمام الاعتداءات الخارجية المحتملة
فصائل المقاومة تؤكد أن السيادة لا يمكن أن تتحقق دون وجود جيش وطني قوي قادر على حماية الشعب من التهديدات الداخلية والخارجية وضمان استقلال القرار الفلسطيني حيث أنها تعتبر أن الخيار العسكري جزء لا يتجزأ من مفهوم السيادة وما يتبعها من قوة سياسية واقتصادية.
اقتصادياً، عباس يتصور ومن خلال طرحه أن الدولة المنزوعة السلاح قد تحقق استقراراً اقتصادياً إذا تم الوصول إلى سلام واستُقطب الدعم الدولي على الرغم من أنّ الواقع الحالي في ظل الاحتلال الإسرائيلي يكشف عن عقبات كبيرة تحول دون هذا الاستقرار.
من جهة أخرى، ترى المقاومة أن تحقيق السيادة سيمكن الفلسطينيين من تطوير اقتصادهم والتحكم بمواردهم الطبيعية دون أي قيود خارجية تُعيق التنمية المستدامة.
بالنظر إلى الفروقات بين طرح الدولة منزوعة السلاح وطرح الدولة كاملة السيادة، تتضح الهوة الكبيرة بين الرؤيتين , وأيًا كان الحل الذي يُؤمل تحقيقه حيال القضية الفلسطينية، فإن نجاحه مرهون بتبني رؤية استراتيجية شاملة تراعي جميع الأبعاد الأمنية والسياسية والاقتصادية وتنسجم مع تطلعات الشعب الفلسطيني نحو الحرية والعدالة.
تبقى المقاومة الخيار الأكثر واقعية لمواجهة التحديات الراهنة , فهي تُجسّد الأمل في استعادة الحقوق الفلسطينية دون تقديم تنازلات جوهرية، وإن كان ذلك بمقابل ثمن باهظ يتحمله الشعب الفلسطيني بشجاعة وإصرار على تحقيق العدالة التي لطالما حلم بها.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=91942





