أين السلطة الفلسطينية مما يجري بالضفة الغربية؟
رام الله – الشاهد| خط الكاتب الفلسطيني اسماعيل الريماوي مقالاً حول جرائم الاحتلال المتصاعدة بالضفة الغربية، والتي شملت العقاب الجماعي، وتدمير المنازل والاستيلاء على الأراضي وغيرها، وسط حالة من التقاعس تبديه السلطة الفلسطينية حول ما يجري، وفيما يلي نص المقال كاملاً.
دخلت مدينة طولكرم، قبل أيام، في فصول من العنف الممنهج والمهانة الجماعية التي تكشف بوضوح عن استراتيجية أمنية إسرائيلية تتجاوز مجرد «رد فعل» على حادث فردي وتصل إلى شكل من أشكال العقاب الجماعي والإخضاع السياسي، ففي أعقاب انفجار استهدف آلية عسكرية قرب المدينة، شنّت قوّات الاحتلال هجوماً موسعاً فرضت خلاله حصاراً شاملاً على المدينة، وأغلقت الحواجز المحيطة، وشرعت في مداهمات واسعة أدت إلى اعتقال أعداد هائلة من سكانها، أكثر من ألف فلسطيني اعتقلوا خلال يوم واحد وسط عمليات تفتيش واحتجاز جماعي تُرك فيها المعتقلون لساعات طويلة في ساحات مفتوحة قبل إخضاعهم لفحوص أمنية واستجوابات ميدانية.
ما حدث في طولكرم ليس حادثة معزولة على مستوى الحجم فحسب، بل بيان سياسي واضح: قدرة الاحتلال على تحويل أيّ ردّ مقاوم إلى ثمن جماعي باهظ يدفعه أهل المدينة والقرى المحيطة، مشاهد طوابير من الرجال مقيّدين، منازل تُفتّش ويُتلف فيها محتوى المحلات، واحتجاز أصحاب المتاجر وترك محلاتهم مفتوحة لا تُحرس — ترسم صورة عن سياسة ترهيب تهدف إلى تكسير أي قدرة مجتمعية على الصمود أو تنظيم استجابة شعبية، وهي ممارسة تذكّر بأساليب التقسيم والتحكم التي تُطبَق حين تتحول المدن إلى مناطق عسكرية قابلة للتفتيش المستمر.
في المقابل، شهدت المنطقة حول القدس ردود فعل مشددة بعد عملية راموت ، أغلِقَت طرق وفرضت قيود مشددة على قُرى شمال غرب القدس وأُبلغ أن نحو اكثر من سبعين ألف فلسطيني في تلك القرى وجدوا أنفسهم تحت إغلاقٍ كامل، ممنوعين من الدخول أو الخروج، هذا الأسلوب في التعامل يمثل امتداداً لسياسة العقاب الجماعي التي تُطبَق كوسيلة لردع المجتمع بأكمله .
الواضح في هذه السياسة ان الحساب التكتيكي الإسرائيلي هنا مزدوج: أولاً، الردّ الأمني العنيف يهدف إلى استعراض القوة الداخلية أمام الشارع الإسرائيلي وداعمي الحكومة من اليمين المتطرف، وثانياً، محاولة كسر أيّ مناخ اجتماعي أو تنظيمي قد يسهّل انطلاق عمليات لاحقة، لكن هذا الأسلوب لا يُنتج سوى تعميق الاحتقان وتوسيع قاعدة الاستياء في الشارع، فمن الناحية التاريخية، فان العقاب الجماعي يغذي مناخ الانتقام ويقوّي روافد الغضب المتجهة نحو مزيد من المقاومة، وهو ما يخلق حلقة عنف يصعب احتواؤها أمنياً أو سياسياً.
هنا يبرز سؤال مؤلم: أين موقع السلطة الفلسطينية في هذا المشهد؟ عندما تتهم الشارع الفلسطيني بأن تكلفة أيّ ردّ مسلح ستكون باهظة على مجتمعه المحلي، فإن رسالة السلطة تلعب دوراً مزدوجاً، فهي اما ان تكون في موضع ضعف لا قدرة له على الحماية، وفي أحيان أخرى تتحول إلى شريك صامت أو متواطئ عبر استمرار التنسيق الأمني الذي يبدو، لدى كثيرين، وكأنه يفاقم من مأزق المواطنين بدل إنقاذهم، هذا الشعور الشعبي بانه بلا اي حماية أو دفاع عن الحقوق الوطنية يخلق انكفاءً واحباط في التعاطي السياسي، حيث يصبح المواطن وحده أمام آلة قمعية لا تُبالي بالقيود القانونية أو الإنسانية .
على مستوى الإنساني والاجتماعي، فان الحصار والاعتقالات لا يقتصر أثرهما على الاعتقالات فحسب؛ بل يمتد إلى العائلات، إلى الأسواق، إلى المدارس والوظائف. ويخلق حالة من الاضطراب الاقتصادي والنفسي تُعيق الحياة اليومية للسكان، أما تفتيش المنازل وترويعهم، فله أثر عميق في ترويض الذاكرة الجمعية وفرض شعور دائم بعدم الأمان داخل الحيز المدني نفسه.
خلاصة المشهد أن ما جرى في طولكرم وما يماثله في قرى شمال غرب القدس هو جزء من منطق واسع: من توظيف الأمن كأداة سياسية للضغط والتحكم، واستعمال العقاب الجماعي كسياسة ردعٍ تجعل من كلّ مكان ممكنًا هدفاً ، أمام هذه الحقائق، يبقى السؤال الأخطر: كيف يمكن للشارع الفلسطيني أن يعيد ترتيب أدوات مقاومته ومطالبه في ظلّ سلطة تبدو عاجزة، واحتلال يستثمر كل عملية فردية لتوسيع دائرة العقاب؟ الإجابة لا تكمن في دروس عسكرية فحسب، بل في مشروع سياسي واجتماعي يعيد بناء مقومات الصمود المحلي ويضع إستراتيجيات حماية اجتماعية وسياسية تخرج الناس من دائرة الخطر الفردي إلى نموذج جماعي منظم يقاوم سياسة التكميم والتهجير والتفتيت.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=94045