زياد هب الريح.. الوجه الدموي للسلطة الفلسطينية
رام الله – الشاهد| في قلب السلطة الفلسطينية، يبرز اسم زياد هب الريح كأحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل منذ قيادة جهاز الأمن الوقائي وصولاً إلى توليه منصب وزير الداخلية.
ارتبط اسم هب الريح بسلسلة انتهاكات وملفات سوداء طالت المعارضين، المقاومين، وحتى المواطنين.
لم يكن دوره الأمني مجرد تنفيذ للسياسات، إنما كأداة قمع وتصفية، مع تهم بالفساد المالي والإداري، والتنسيق الأمني مع الاحتلال.
من هو زياد هب الريح؟
مشوار زياد هب الريح يحفل بمحطات وتفاصيل خطيرة من خلال دوره الأمني القذر، وعلاقته بملفات فساد خطيرة، بينها اغتيال الناشط نزار بنات وتسليم المقاومين، وتفكيك البنية التحتية للمقاومة بالضفة.
ولد زياد محمود محمد هب الريح في مدينة جنين شمالي الضفة الغربية بتاريخ 9 يونيو 1960، وتلقى تعليمه في مدارس جنين، وانخرط مبكرًا في صفوف حركة فتح.
ومع اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987، برز هب الريح كنشاط ميداني شمالي الضفة، واعتقل عدة سنوات على خلفية نشاطه في الحركة.
زياد هب الريح ويكيبيديا
هذا التاريخ النضالي الأولي شكل له قاعدة شعبية محدودة، لكنها سرعان ما تآكلت بفعل تحوله لأحد أبرز رموز أجهزة أمن السلطة بعد تأسيسها في التسعينات.
في عام 2006، تولى زياد قيادة جهاز الأمن الوقائي في الضفة الغربية، خلفًا للواء زهير المناصرة، بعد أن كان الجهاز تحت قيادة جبريل الرجوب ومحمد دحلان في فترات سابقة.
ومنذ ذلك الحين، ارتبط اسمه بسلسلة ملفات أمنية حساسة، وبدأ يكتسب نفوذًا متزايدًا داخل فتح، وصولًا إلى عضويته في المجلس الثوري للحركة، وهو أحد أعلى الأطر التنظيمية فيها.
وفي مارس 2022، أدى هب الريح اليمين الدستورية كوزير للداخلية في حكومة محمد اشتية، وهو منصب اعتبره كثيرون خطوة لتقليص نفوذه الأمني، خاصة أن وزارة الداخلية في تركيبة السلطة لا تملك صلاحيات فعلية على الأجهزة الأمنية، التي تتبع مباشرة للرئيس محمود عباس.
فساد زياد هب الريح
رغم ذلك، ظل يحتفظ بعلاقات قوية داخل أروقة القرار الأمني والسياسي، خاصة مع شخصيات كجبريل الرجوب ، ما جعله لاعبًا محوريًا في صراعات حركة فتح، ورسم السياسات الأمنية التي أثارت جدلًا واسعًا في الشارع الفلسطيني.
منذ توليه قيادة جهاز الأمن الوقائي في الضفة الغربية عام 2006، شكل زياد هب الريح ملامح مرحلة أمنية جديدة في تاريخ السلطة، اتسمت بتغول الأجهزة الأمنية وتكريس التنسيق الأمني مع الاحتلال كأولوية فوق كل اعتبار وطني.
فجهاز الأمن الوقائي، الذي تأسس بعد اتفاق أوسلو، يفترض أن يكون مسؤولًا عن الأمن الداخلي ومكافحة التجسس، لكنه في عهد هب الريح تحول لأداة قمع سياسي تستهدف المعارضين والناشطين، وتخترق الفصائل، خاصة المقاومة منها.
فساد زياد هب الريح
منظمات حقوقية محلية ودولية وثقت مئات الحالات من الاعتقال التعسفي لناشطين وصحفيين، دون أوامر قضائية، وغالبًا بسبب منشورات على وسائل التواصل أو مواقف سياسية للسلطة.
تقارير متعددة كشفت عن استخدام أساليب تعذيب ممنهجة في مقرات الأمن الوقائي، شملت الضرب، الحرمان من النوم، التعليق، والإهانة اللفظية.
لم تمر انتهاكات زياد هب الريح مرور الكرام في الشارع، فقد فجرت موجة غضب شعبي ودفعت إلى التعبير عن رفضها للقمع والتنسيق الأمني.
قضية اغتيال الناشط السياسي نزار بنات تعتبر واحدة من أكثر الجرائم التي كشفت الوجه الحقيقي للأجهزة الأمنية في عهد زياد هب الريح، وأظهرت كيفية تحول السلطة إلى خصم مباشر لأبناء شعبها عندما يعلو صوتهم بالحق.
جرائم زياد هب الريح
ففي فجر يوم 24 يونيو 2021، اقتحمت قوة من الأمن الوقائي منزل بنات في منطقة دورا جنوب الخليل، واعتقلته بطريقة وحشية.
وتعرض للضرب المبرح بالهراوات والركل، قبل أن ينقل بحالة حرجة إلى مقر الجهاز، إذ فارق الحياة بعد وقت قصير.
تشريح الجثة أظهر وجود نزيف داخلي في الرئتين، وكسور في الأضلاع، وكدمات في أنحاء متفرقة من الجسد، ما يؤكد تعرضه لتعذيب شديد أدى إلى وفاته.
التحقيقات كشفت عن أن القوة التي نفذت الاعتقال تضم 14 عنصرًا من الأمن الوقائي، تلقوا أوامر مباشرة من قيادات عليا، بينهم زياد هب الريح بالتخلص من بنات.
عائلة بنات ومعها نشطاء حقوقيين، قرروا تدويل القضية، ورفعوا ملفًا إلى المحكمة الجنائية الدولية، يتضمن أسماء المسؤولين المتورطين في الجريمة، وعلى رأسهم زياد هب الريح، باعتباره قائد الجهاز الذي نفذ عملية الاغتيال.
الملف يتضمن شهادات وتقارير طبية، وتوثيقًا للانتهاكات، ويطالب بفتح تحقيق دولي بجرائم التعذيب والقتل خارج إطار القانون تحت غطاء السلطة.
من هي زوجة زياد هب الريح؟
عقب اغتيال نزار بنات، خرجت مظاهرات حاشدة في مدن الضفة رفعت فيها شعارات تطالب بإسقاط السلطة الأمنية، ومحاسبة المسؤولين عن الجريمة.
المتظاهرون هتفوا ضد زياد هب الريح مباشرة، واعتبروه “الوجه الدموي للسلطة”، فيما واجهت الأجهزة الأمنية الاحتجاجات بالقمع، والاعتقالات، والضرب، ما زاد من حالة الاحتقان الشعبي.
دوليا، أدانت منظمات مثل “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية” الجريمة، وطالبت بتحقيق مستقل، فيما عبّرت بعثات دبلوماسية أوروبية عن قلقها من تدهور الحريات في الأراضي الفلسطينية.
زياد هب الريح كان نسخة مكررة كأحد أبرز رموز الفساد داخل السلطة الفلسطينية، مستغلًا موقعه في جهاز الأمن الوقائي لتوسيع نفوذه السياسي وتصفية خصومه، وتثبيت شبكة ولاءات شخصية.
وخلال قيادة الأمن الوقائي، أجرى سلسلة تعيينات أثارت الجدل بترقية عناصر غير مؤهلين وتهميش كفاءات، لصالح أفراد تربطهم به علاقات شخصية أو ولاء سياسي.
هذه التعيينات ساهمت في تحويل الجهاز إلى بنية مغلقة تخدم مصالحه الخاصة وتنفذ أوامره دون مساءلة، ما أدى إلى تراجع الأداء المهني وتزايد الانتهاكات بحق المواطنين.
زياد هب الريح قاتل نزار بنات
في أكثر من مناسبة، استخدم هب الريح صلاحياته الأمنية لتضييق الخناق على خصومه بفتح، خاصة المحسوبين على تيار محمد دحلان أو المعارضين لنهج التنسيق الأمني.
وأمر باعتقال عدد من النشطاء ومداهمة منازلهم ومصادرة ممتلكاتهم دون أي سند قانوني، في “تصفية سياسية مغلفة بغطاء أمني”.
ورغم ظهوره كقيادي أمني، فإن هب الريح لعب دورًا سياسيًا خفيًا داخل فتح، بتحالفه مع شخصيات كجبريل الرجوب، ودخل بصراعات مع آخرين كماجد فرج رئيس جهاز المخابرات العامة.
هذه الصراعات انعكست على أداء الأجهزة الأمنية التي تحولت إلى أدوات لتصفية الحسابات، بدلًا من حماية المواطن.
وعند تعيينه وزيرًا للداخلية عام 2022، اعتبر كثيرون أن الخطوة جاءت لتقليص نفوذه الأمني، لكنها في الواقع منحت له غطاءً سياسيًا أوسع، إذ بدأ بالتدخل في التعيينات الوزارية، وتوجيه السياسات الأمنية من موقعه الجديد.
كما أن الخلافات بينه وبين قيادات أمنية أخرى أضعفت التنسيق الداخلي وتسببت بتضارب في القرارات، ما زاد الفوضى داخل مؤسسات السلطة.
مصالح زياد هب الريح
التنسيق الأمني مع الاحتلال يعد أحد أكثر الملفات حساسية في الواقع الفلسطيني، وارتبط اسم زياد هب الريح بهذا الملف مباشرة، إذ لعب دورًا محوريًا بترسيخه، رغم المعارضة الشعبية الواسعة له.
وتحت قيادة هب الريح، تعززت العلاقة الاستخبارية مع الاحتلال عبر تبادل المعلومات حول تحركات المقاومين، ما تسبب باعتقال أو اغتيال عدد منهم.
وتكررت حالات إحباط عمليات فدائية في الضفة الغربية ليس عبر مواجهة الاحتلال إنما تدخل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، التي كانت تسبق الاحتلال في اعتقال المقاومين أو تفكيك خلاياهم.
هذا الدور أثار استياء واسعًا، خاصة في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة والقدس، إذ بدا أن السلطة تعمل كذراع أمنية للاحتلال في الضفة.
وفي أكثر من حادثة، أشرف الأمن الوقائي تحت قيادته على إعادة مستوطنين وجنود إسرائيليين دخلوا مناطق السلطة، دون مساءلة أو تحقيق.
هذه العمليات تمت بسرعة وبتنسيق مباشر مع الإسرائيليين، ما أثار غضبًا شعبيًا، واعتُبرت خضوعًا أمنيًا غير مبرر.
ونقل عن هب الريح تصريحات تقلل من شأن المقاومة، وتعتبرها “مغامرة غير محسوبة”، ما كشف عن موقفه السلبي من أي فعل مقاوم خارج إطار السلطة، فضلاً عن دور أجهزة السلطة بمراقبة النشطاء المتضامنين مع غزة في الضفة، واعتقال بعضهم لمنع أي تحرك شعبي داعم.
وتُجسّد شخصية زياد هب الريح أزمة السلطة بكل تعقيداتها من حيث تغوّل الأجهزة الأمنية، غياب الرقابة والمحاسبة، وتداخل المصالح مع القرار السياسي.
ومن خلال تتبع مسيرته، يتضح أن السلطة لم تعد مشروعًا وطنيًا جامعًا، إنما منظومة أمنية تخدم مصالح فئة ضيقة، وتعمل على قمع أي صوت معارض.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=94181