عباس يتجرع من الكأس الذي سقاه للرئيس عرفات!

عباس يتجرع من الكأس الذي سقاه للرئيس عرفات!

رام الله – الشاهد| تواصل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الضغط على رئيس السلطة الفلسطينية وزعيم حركة فتح محمود عباس لتقليص صلاحياته ومنحها للحكومة التي شكلها مؤخراً برئاسة محمد مصطفى، وذلك في إطار تهيئتها الأجواء للرئيس القادم وتغيير النظام السياسي للسلطة.

الخطوات التي تضغط بها إدارة بايدن تعيد للأذهان ذات السيناريو الذي قامت به الإدارة الأمريكية مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، إذ استخدمت تلك الإدارة محمود عباس كأداة لسحب الصلاحيات من عرفات بشكل تدريجي لتغييبه عن المشهد وهو ما حدث لاحقاً.

عباس الذي بدأ يتجرع من ذات الكأس الذي سقاه للرئيس الراحل عرفات، يتحسس رقبته مع كل زيارة لمسؤول أمريكي إلى المنطقة، ما دفعه لعدم لقاء وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خلال الأيام الماضية، لعلمه أنه سيبحث مع خطط إصلاح السلطة ونقل المزيد من الصلاحيات التي يمتلكها عباس للحكومة.

وكان عباس وبدعم أمريكي أجبر عرفات على تعيينه رئيساً للحكومة عام 2003، قبل أن يقدم استقالته جراء الخلافات مع الرئيس الراحل والتي امتدت جذورها إلى سبعينات القرن الماضي، إذ كانا يسيرا بخطين متوازيين.

عرفات الذي تبنى خيار المقاومة المسلحة بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، عاد للمسار السياسي في السنوات الأخيرة من حياته بعد احتواء حركة فتح إقليميًا ودوليًا.

بينما كان عباس منذ البداية يرفض خيار المقاومة ويعلي صوته بضرورة السير في طريق السياسة والمفاوضات من أجل تحقيق أهداف منظمة التحرير وحركة فتح في العودة للأراضي الفلسطينية.

عباس الذي لمع نجمه ابتداء باتفاق أوسلو الذي يوصف بأنه “مهندس الاتفاق”، ومرورا بإبرازه على الساحة “غصبا”، بفرضه من الإدارة الأمريكية على عرفات، وأجبرته على تعيينه وزيرا للمالية عام 2002 ثم رئيسا للوزراء، وإلا قطع المساعدات الأمريكية عن السلطة.

واشتد الخلاف بين عرفات وكرزاي فلسطين، عقب محاولات الأخير سحب معظم الصلاحيات عن رئيس السلطة إن لم يكن جميعها، وكرّس حينها كل طاقاته وحلفائه لمحاربة عرفات.

ووصل الحد به للاجتماع بمسؤولين أمريكيين وإسرائيليين في منزله للتخلص من عرفات، الذي كان يُعتبر “عقبة” في وجه السلام وفق أمريكا والكيان الإسرائيلي، وأطلق عرفات حينها على ذاك الاجتماع “اجتماع الذل والعار”.

كرزاي فلسطين

عرفات كان يعتبر أن “نحت” منصب رئيس الوزراء على مقاس عباس يعني محاولة لإزاحته من منصبه، انعكس ذلك حتى على طبيعة العلاقة الشخصية بين عرفات و”كرزاي فلسطين”.

وكان الأخير لا يحب لقاء الأول، وكان يبلغه بنتائج اجتماعات مجلس الوزراء عن طريق مبعوثين، ما زاد من شكوك عرفات بأن عباس يعمل على عزله وتقليص صلاحياته، وفق حديث سابق لمروان كنفاني المستشار السياسي السابق لعرفات.

عباس كان يعرف الوصف الذي أطلقه عرفات عليه ودلالاته، فكتب بورقة استقالة حكومته عام 2003 “وما دمتم مقتنعين بأنني كرزاي فلسطين وانني خنت الامانة ولم أكن على قدر المسؤولية، فإنني أردها لكم لتتصرفوا بها”.

ووفقًا لأحد قيادات فتح التي فصلت من الحركة في عهد عباس، فإن عرفات كان يُطلق أيضا لقب “رئيس الوكالة اليهودية” على عباس، وحاول الأخير بكل السبل نزع كل صلاحيات عرفات، متجاهلا رمزيته، بخلاف مع فعله مع إسماعيل هنية حين تولى رئاسة الحكومة عقب فوز حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006، إذ حاول جلب كل الصلاحيات للرئاسة ونزعها من هنية.

ويبدو أن عباس كان يخشى بروز من يُشبهه ويفعل به ما فعله بعرفات، فمارس سياسة الإقصاء ورفع سيف الاعتقال والفصل في وجه كل من يعارض آرائه، حتى لو كان ذلك على حساب وحدة فتح الداخلية بل ووحدة الساحة الفلسطينية، فقسم فتح نصفين، وعزز الانقسام الفلسطيني لتصبح الفصائل الفلسطينية حتى تلك الشريك التاريخي لفتح في منظمة التحرير فضلا عن حماس والجهاد الإسلامي في جهة، وحركة فتح والسلطة في جهة أخرى.

بناية العار

القيادي الفتحاوي حسن عصفور يستذكر الأحداث التي أعقب تآمر الرئيس عباس على عرفات قائلاً: “وعام ٢٠٠٣، خرجت عناصر فتح بمدن الضفة بمسيرات تأييد لعرفات، كان وقتها استُحدث منصب رئيس الوزراء وكُلف أبو مازن فيه، ومكانش مرضي عنه، لأنه خاين وجاسوس!!”.

وأضاف: “هتافات المسيرة كانت (يا أبو عمار دوس دوس على أبومازن الجاسوس!).. مما أضطر عباس أن يقدم إستقالته من المنصب، وما تجرأ يقدمها لعرفات بصفته رئيس للسلطة حسب الأصول، ولكن بعتها مع ياسر عبدربه!”.

وتابع: “بعديها بسنة زمان سمموا هالختيار، وبقدرة قادر صار عباس الجاسوس هو خلف عرفات وقائد المرحلة!! اسألوا من قال: اجتماع العار، في بناية العار، ومن قصد بهذا الوصف!.. لتعرفوا أن فتح سُرقت واختطفت وتحولت لأقبح ظاهرة تنظيمية، وجعلت جماهيرها عبيدا للرواتب والنزوات.. مشكلتنا لا تنحصر في شخصيات وأسماء، بل بالمنظومة ككل”.

إغلاق