ماذا تبقى من اتفاقية أوسلو؟

ماذا تبقى من اتفاقية أوسلو؟

رام الله – الشاهد| خط الكاتب والباحث الفلسطيني عقل صلاح مقالاً تحدث فيه عن ما تبقى من اتفاق أوسلو الذي حلت ذكراه السيئة على الشعب الفلسطيني في الأيام الماضية، مستحضراً المآلات السيئة على الشعب الفلسطيني من ذلك الاتفاق، وفيما يلي نص المقال.

نناقش في هذه المقالة اتفاقية أوسلو بعد مضي إحدى وثلاثون سنة وماذا تبقى من بنودها بعد كل هذه السنوات؟، على الرغم من أن إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية- تعلمان أنه لم يعد موجودًا على الأرض، وإن بقي في مستوى نظري ليس أكثر، لكن كل من إسرائيل ومنظمة التحرير تتمسكان بصورته التذكارية وذلك من أجل تحقيق أهدافهما؛ فإسرائيل تريد الإبقاء على ذكراه لتنفيذ سياساتها والتملص من الحقوق الوطنية الفلسطينية، وتحميل السلطة أعباء وتبعات احتلالها لفلسطين؛ أما هدف السلطة الفلسطينية من التمسك بأوسلو هو المحافظة على وثيقة وجودها.

كل ما سبق يتطلب التعريج على نصوص الاتفاق حتى نستطيع أن نحدد هل تبقى من أوسلو بنود لكي تتمسك بها السلطة الفلسطينية؛ وهل يمكن إصدار شهادة وفاة له بعد قتله من قبل إسرائيل، كل ذلك يتطلب النبش في بنوده، فقد استند اتفاق أوسلو على الاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير، واحتوى الاتفاق على سبعة عشر بندًا، ونص على إجراء مفاوضات للانسحاب الإسرائيلي من الضفة وغزة على مرحلتين مرحلة إعدادية ومرحلة انتقالية.

ولابد من التأكيد على أن المرحلة الأولى “المرحلة الإعدادية”، والتي تبدأ في تشرين أول/أكتوبر 1993 وتنتهي بعد ستة أشهر، وتجري فيها المفاوضات على محورين: الأول، يشمل الانسحاب الإسرائيلي من غزة وأريحا، وينتهي هذا الانسحاب في غضون شهرين، ويجري انتقال سلمي للسلطة من الحكم العسكري والإدارة المدنية الإسرائيلية إلى ممثلين فلسطينيين تتم تسميتهم لحين إجراء انتخابات المجلس الفلسطيني، وأن مهام السلطة الفلسطينية لا تشمل الأمن الخارجي، والعلاقات الخارجية، والمستوطنات في المناطق التي سينسحب الجيش الإسرائيلي منها، أما فيما يتعلق بالأمن الداخلي فسيكون من مهام قوة شرطة فلسطينية يتم تشكيلها من فلسطينيي الداخل والخارج مع وجود لجنة للتعاون الأمني المشترك، وبعد التوقيع على هذه الاتفاقية تنسحب إسرائيل تدريجياً في غضون أربعة أشهر.

أما المحور الثاني من المرحلة الأولى، فينص على تشكيل سلطة حكم فلسطيني انتقالي تتمثل في مجلس فلسطيني منتخب يمارس سلطات وصلاحيات في مجالات محددة ومتفق عليها لمدة خمس سنوات انتقالية، ولهذا المجلس حق الولاية على كل الضفة وغزة في مجالات الصحة، والتربية، والثقافة، والشؤون الاجتماعية، والضرائب المباشرة، والسياحة، إضافة إلى الإشراف على القوة الفلسطينية الجديدة، ما عدا القضايا المتروكة لمفاوضات الحل النهائي مثل: القدس، والمستوطنات، والمواقع العسكرية، والإسرائيليين المتواجدين في الأرض المحتلة.

أما انتخابات المجلس التشريعي فقد نص الاتفاق على أن تتم تحت إشراف دولي يتفق الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي عليه، وتتم هذه العملية في موعد أقصاه تسعة أشهر من دخول الاتفاقية حيز التنفيذ الفعلي، أي في الثالث عشر من تموز/يوليو 1994، وتفصل الاتفاقية فيمن يحق لهم المشاركة في تلك الانتخابات خاصة من القدس. أما نظام الانتخاب وقواعد الحملة الانتخابية وتنظيمها إعلامياً، وتركيبة المجلس، وعدد أعضائه، وحدود سلطاته التنفيذية والتشريعية فكلها أمور متروكة للمفاوضات الجانبية بين الطرفين. وعلى أن يقوم المجلس بعد تسلمه صلاحياته بتشكيل بعض المؤسسات التي تخدم التنمية.

وعلى العكس من ذلك، لم تتلزم إسرائيل في نص إجراء المفاوضات لاستكمال الانسحاب الإسرائيلي من الضفة وغزة؛ وعلى خلاف ذلك قامت في إعادة احتلال منطقة “أ” الخاضعة ضمن بنود الاتفاق للسلطة الفلسطينية وقامت بمنع البناء في منطقة “ب”، وهذا هو الالتزام الأول في هذه الاتفاقية حيث تنصلت إسرائيل منه من خلال سحب صلاحيات السلطة من منطقة “ب”.

واستنادًا إلى ما سبق، في هذه المرحلة نجد أنها من أسهل وأبسط المراحل ولكنها بعد أكثر من ثلاثة عقود لن يتبقى من هذه المرحلة للسلطة غير الوجود الشكلي أو كما يقال “سلطة بلا سلطة” وتملصت إسرائيل من جميع بنودها وقامت بسحب ما منحه أوسلو للسلطة من مناطق وصلاحيات وحتى الشؤون المدنية أعادتها إلى الإدارة المدنية “المنسق” الميجر غسان عليان؛ وحتى المجلس التشريعي بعد فوز حركة حماس في الانتخابات الثانية عام 2006.

تم تعطيله وصولًا إلى إعلان الرئيس محمود عباس في22 كانون أول/ديسمبر 2018، عن حله؛ إضافة إلى جميع القضايا التي تم تأجيل البحث بها، تم فرض سياسة الأمر الواقع الإسرائيلي لعدم التمكن في البحث بها لصعوبة تغيير هذا الواقع كما حصل في قضية القدس التي تم تهويدها ومنحها لإسرائيل من قبل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي أعلن في 6 كانون الأول/ديسمبر 2017 أن القدس بشقيها الشرقي والغربي، عاصمة لإسرائيل، وفي 14 مايو/أيار2018، افتتح مبنى مؤقتًا للسفارة الأميركية داخل المبنى الذي يضم القنصلية الأميركية الموجودة بالفعل في القدس ونقل السفارة الأمريكية لها. بالإضافة إلى المستوطنات التي لم تكن بهذا الحجم فقد عملت إسرائيل على مدار عمر أوسلو على توسيع الاستيطان ليصل لما وصل له جغرافيًا وديمغرافيًا، حيث وصل لحد مليون مستوطن يسيطرون على أكثر من 80% من مساحة الضفة.

ولعله من المفيد أن نؤكد أن المرحلة الثانية “المرحلة الانتقالية”، والتي تبدأ بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة وأريحا، وتستمر لمدة خمس سنوات تجرى خلالها انتخابات عامة حرة مباشرة لاختيار أعضاء المجلس الفلسطيني الذي سيشرف على السلطة الفلسطينية الانتقالية، وعندما يتم ذلك تكون الشرطة الفلسطينية قد استلمت مسؤولياتها في المناطق التي تخرج منها القوات الإسرائيلية خاصة تلك المأهولة بالسكان، وتحث الوثيقة على ضرورة التعاون الإقليمي في المجال الاقتصادي من خلال مجموعات العمل في المفاوضات متعددة الأطراف، أما بالنسبة لمفاوضات الوضع النهائي فقد نصت الوثيقة على أن تبدأ بعد انقضاء ما لا يزيد عن ثلاث سنوات، وتهدف إلى بحث القضايا العالقة مثل: القدس، والمستوطنات، واللاجئين، والترتيبات الأمنية، والحدود، إضافة إلى التعاون مع الجيران وما يجده الطرفان من قضايا أخرى ذات اهتمام مشترك، كل ذلك سيتم بحثه استناداً إلى قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338.

مما تقدم، نرى أن القضايا الجوهرية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم يشملها الاتفاق وإنما تم تأجيلها، فلم يكن بالمقدور التوصل للاتفاق إلا من خلال تأجيل هذه القضايا، والتي تشمل القدس، وحق العودة، والمستوطنات، والحدود، وغيرها إلى مفاوضات الوضع النهائي، إلا أنه وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود مازالت هذه القضايا عالقة، بل أصبحت تقع تحت سياسة الأمر الواقع. فالجانب الفلسطيني ملزم بتنفيذ بنود الاتفاق تحت ضغط دولي وإقليمي ورغبة السلطة بالمحافظة على وجودها للعديد من الاعتبارات السياسية وارتباطات خاصة بطريقة تفكير القيادات السياسية الرسمية ومصالحهم في البقاء على سدة الحكم الصوري، بينما إسرائيل مازالت تمارس نفس سياساتها متجاهلة الاتفاق والقوانين الدولية، مستثمرة الوقت لتغيير ما تبقى من معالم للقدس والضفة لتهويدها وصولًا لضمها، من خلال تسمين المستوطنات والاستيلاء على الأراضي.

ومن هذا المنطلق لقد تم تحديد العمر الزمني لأوسلو في نصوص الاتفاق، ولكن إسرائيل لم تلتزم في هذا السقف الزمني وأنهت هذه الاتفاقية منذ اليوم الأول لعدم البت في القضايا المركزية التي تم تأجيلها، وعملت إسرائيل على الإبقاء على جثمان أوسلو مع عدم تنفيذ المراحل التي يجب الوصول لها بعد خمس سنوات من توقيعه وكان هدف إسرائيل شراء الوقت لتحقيق أهدافها في الضفة والقدس حتى أصبحت الضفة تعج في المستوطنين والمستوطنات.

وخلاصة القول، عملية إفشال أوسلو من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ منتصف التسعينات وعدم الاعتراف في الحقوق الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتها الدولة الفلسطينية بالإضافة إلى الممارسات الإسرائيلية في الضفة والقطاع وبالتحديد تجاه القدس والمسجد الأقصى، وسرقة أموال الشعب الفلسطيني من قبل وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش الذي تفنن في الاقتطاعات من أموال المقاصة وصولًا لتصفيرها، وحصار غزة لأكثر من سبعة عشر سنة متواصلة والتنكيل المستمر بالأسرى في السجون الإسرائيلية من قبل وزير الأمن القومي إتيمار بن غفير؛ قادت حركة حماس للسابع من أكتوبر للخلاص من الاحتلال وممارساته؛ ولو التزمت إسرائيل في تطبيق السلام الحقيقي لما استطاعت حركة حماس إيجاد مبرر بقاء المقاومة والقتال، فإسرائيل هي من تسبب في الطوفان، وممارساتها لأكثر من ست وسبعون سنة هي التي تدفع في استمرار المقاومة، ولو هدفت إسرائيل من توقيع أوسلو إلى تحقيق السلام لالتزمت في السلام وأنهت احتلالها للشعب الفلسطيني.

إن الثابت الوحيد هو أن أوسلو فرض على الفلسطينيين فرضًا، وهذا ما صرح به رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض، الراحل أحمد قريع، ولكن يبرز هنا السؤال بعد إجهاز إسرائيل على أوسلو لماذا مازالت السلطة متمسكة بالبند المتبقي الوحيد “اليتيم” وهو التنسيق الأمني مع إسرائيل وهل مازال مفروضًا عليها؟.

إغلاق