مُسميات ومَناصب المحافظين تتعارض مع الدستور الفلسطيني

مُسميات ومَناصب المحافظين تتعارض مع الدستور الفلسطيني

رام الله – الشاهد| كتب المحامي الدكتور عصام عابدين: بتاريخ 29 كانون الأول/ ديسمبر 2024، أصدر محافظ الخليل قراراً إدارياً يحمل رقم (10) لسنة 2024 “بشأن التحريض”.

وجاء نص القرار بالآتي: “استناداً إلى الصلاحيات المخولة لنا بموجب المرسوم الرئاسي رقم (22) لسنة 2003 المادة رقم (5) البند الأول وعملاً بأحكام النظام وتحقيقاً للمصلحة العامة وحفاظاً على الأمن والسكينة قررنا ما يلي:

مادة (1) يحظر على الجميع القيام بأي أفعال أو أقوال عبر منصات التواصل الاجتماعي أو المنابر أو أي وسيلة أخرى من شأنها إثارة الفتن أو تؤثر على الطمأنينة وتخل بالأمن العام.

مادة (2) وقف كافة أشكال التحريض ضد السلطة وأجهزتها الأمنية والمدنية.

مادة (3) كل من يقوم بهذه الأفعال أو الأقوال ومن يثبت ارتكابه أو تورطه بها سيتحمل كامل المسؤولية القانونية.

مادة (4) على كافة الجهات ذات الاختصاص تنفيذ ما ورد في هذا القرار”.

صدر في محافظة الخليل بتاريخ 2024/12/29 مع توقيع المحافظ.

وفي ذات اليوم، أصدر محافظ نابلس قراراً إدارياً مُشابهاً في مضمونه لقرار محافظ الخليل، مع بعض الاختلاف في الصياغة، حيث وردت إشارة إلى “القوانين والأنظمة” دون تحديد لماهيتها إلى جانب المرسوم الرئاسي رقم (22) لسنة 2003، ولم يتم ذكر “مع الاحترام” التي وردت في قرار محافظ الخليل، ولم ترد عبارة “صدر في محافظة نابلس” كالتي وردت في قرار محافظ الخليل.

لا حاجة للتعليق على الصياغة أو مضمون القرارين أو الاسترسال في محتوى كهذا. سنُركز على الجوانب الدستورية والقانونية، ومدى انسجام القرارين مع أحكام القانون الأساسي الفلسطيني المعدل (إرادة المشرّع الدستوري) ثم نعرض بإيجاز موقف الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها فلسطين، والمعايير الدولية ذات الصلة، من الحقوق الطبيعية التي انتُهكت في القرارين.

هل مُسمى ومَنصب المحافظ ووجوده يتعارض مع القانون الأساسي الفلسطيني؟

الإجابة: نعم. مُسمى ومنصب “محافظ” لا يستند إلى أيّ أساس في القانون الأساسي المعدل (الدستور) على الإطلاق. فالقانون الأساسي لا يعترف بوجود المحافظين في أيّ من نصوصه وأحكامه. ووجودهم في هذا المنصب غير شرعي.

إنَّ تنظيم الإدارة المحلية، يتم على أساس وحدات إدارة محلية، تتمتع بالشخصية الاعتبارية، وتُدار من خلال مجالس محلية مُنتخبة، فقط، وذلك بموجب المادة (85) من القانون الأساسي الذي لا يعترف بأيّ وجود أو صلاحية أو اختصاص لما يُسمى “المحافظين” في الإدارة المحلية.

ولم ترد كلمة “محافظ” في جميع مواد وأحكام القانون الأساسي (121 مادة) قولاً واحداً. إنَّ مخالفة الدستور تعني “انعدام” القرارات الصادرة عن ما يُسمى “المحافظ” وهي لا تُرتب أيّ أثر قانوني، هذه حقيقة دستورية غير قابلة للجدل.

لكن ماذا عن وجود منصب المحافظ قبل صدور القانون الأساسي الفلسطيني؟

منصب المحافظ كان موجوداً بموجب التشريعات القديمة المتوارثة من الحقبة الأردنية. ومع نشر القانون الأساسي الفلسطيني (الدستور) في الجريدة الرسمية (عدد ممتاز 1 في 7 تموز/يوليو 2002) انتهى وجود المحافظين من الناحية الدستورية.

وحافظ القانون الأساسي المعدل الذي نُشر في الجريدة الرسمية (عدد ممتاز 2 في 19 آذار/مارس 2003) على هذا التوجه الدستوري. استمرار المحافظين، في ممارسة مهامهم، يُشكل انتهاكاً واضحاً ومباشراً للدستور. مع تذكير الجميع بأحكام المادة السادسة من القانون الأساسي المعدل “مبدأ سيادة القانون أساس الحكم في فلسطين، وتخضع للقانون جميع السلطات والأجهزة والهيئات والمؤسسات والأشخاص”. إذن قُضِيَ الأمرُ ببطلان منصب المحافظ وصلاحياته بقوة الدستور وسموه على التشريعات كافة.

وماذا عن المرسوم الرئاسي رقم (22) لسنة 2003 بشأن اختصاصات المحافظين؟

هذا المرسوم أصدره الرئيس ونُشر في الوقائع الفلسطينية في 7 آذار/ مارس 2007 ومَنح نفسه صلاحية تعيين “المحافظين” وإعفائهم من مناصبهم، وتحديد درجاتهم، وتمثيلهم له في محافظاتهم، وحدّد لهم القَسَم الذي يُقسمونه أمامه قبل مباشرة أعمالهم. ومن ثم جرى تعديل هذا المرسوم، بمرسوم آخر، أصدره الرئيس نفسه، هو المرسوم الرئاسي رقم (22) لسنة 2021 بتعديل مرسوم اختصاصات المحافظين 2003 وأعطى نفسه صلاحيات أوسع كتحديد مدة المحافظين خمس سنوات قابلة للتمديد سنة واحدة بقرار منه (الرئيس).

تلك المراسيم “مُنعدمة” ولا تُرتب أيّ أثر قانوني لانتهاكها الصارخ للقانون الأساسي المعدل. الدستور الفلسطيني لا يعترف بأيّ وجود أو أي اختصاص أو أي دور لما يُسمى المحافظين على الإطلاق.

هل يملك الرئيس أيّ صلاحية تجاه “المحافظين” على فرض وجود أساس شرعي لهم في الدستور؟

الإجابة: لا. صلاحيات الرئيس في القانون الأساسي الفلسطيني “حصرية وهامشية” وهذا ما أكدته بوضوح المادة (38) من القانون الأساسي المعدل التي تنص على أن “يُمارس رئيس السلطة الوطنية سلطاته ومهامه التنفيذية على الوجه المبين في هذا القانون” (القانون الأساسي).

وبما أن القانون الأساسي لا يتضمن أيّ نص يمنح الرئيس صلاحيات تتعلق بـ”المحافظين” فإنَّ هذه الصلاحيات، على فرض وجود أساس شرعي لمنصب المحافظين في الدستور، تكون من اختصاص الحكومة وليس الرئيس.

وهذا ما تؤكده المادة (63) من القانون الأساسي “.. وفيما عدا ما لرئيس السلطة الوطنية من اختصاصات تنفيذية (يحددها القانون الأساسي) تكون الصلاحيات التنفيذية والإدارية من اختصاص مجلس الوزراء”.

وتُعد هذه المواد الدستورية من التعديلات “الجوهرية” التي أُجريت على القانون الأساسي في العام 2003. ومن الجدير بالذكر، أن السيد محمود عباس، الذي يشغل الآن منصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية بولاية دستورية مُنتهية، كان في ذلك الوقت رئيساً للوزراء في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، ويَعي تماماً هذا “الحصار الدستوري” الذي فُرض على صلاحيات الرئيس.

وفي محاولة لتجاوز هذا الحصار، قُدّم مشروع قانون معدل للقانون الأساسي (2005/192/ل) قبيل انتهاء مدة ولاية المجلس التشريعي الأول. كان هدف هذا المشروع، من بين أمور أخرى، تعديل المادة (38) من القانون الأساسي باستبدال عبارة “هذا القانون” أي القانون الأساسي بـ “القانون” أي القانون العادي. لكن هذه المحاولة، باءت بالفشل، لعدم حصولها على ثلثي أعضاء المجلس التشريعي كما تشترط المادة (120) من القانون الأساسي.

لذلك، يتوجب على مجلس الوزراء (الحكومة) إنهاء هذه المسميات والمناصب غير الدستورية، احتراماً لمبدأ سيادة القانون كأساس للحكم في فلسطين، وعدم إرهاق الخزينة العامة بنفقات مُخالفة للدستور.

وماذا عن مضمون قرارات “المحافظين” بشأن التحريض وإثارة الفتن والتأثير على الطمأنينة والإخلال بالأمن العام؟

قرارات “المحافظين” بشأن التحريض وإثارة الفتن والإخلال بالأمن العام تُعد انتهاكاً للقانون الأساسي الفلسطيني المعدل (الدستور) والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها فلسطين ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يكفل حرية التعبير.

استخدام مصطلحات فضفاضة وغير محددة كـ”إثارة الفتن” و”الإخلال بالأمن” يَفشل في الاختبار ثُلاثي الأجزاء (Three- Part Test) المُستخدم دولياً لفحص قيود حرية التعبير، الذي يتطلب وضوح النص القانوني وارتباطه بهدف مشروع وضرورته في مجتمع ديمقراطي.

علاوة على ذلك، يُعدّ التجريم بناءً على قرارات إدارية غامضة انتهاكًا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات (المادة 15 من القانون الأساسي) حيث تُفتح أبواب التأويل التعسفي وتُقوض أسس العدالة وسيادة القانون.

النقد، مهما كان قاسياً، يبقى مشروعاً، ويجب الانتباه إلى أن النقد الذي يستهدف السلطة العامة أو المكلفين بإنفاذ القانون، يستهدف في جوهره المراكز الوظيفية، لا الشخوص، ولو كانوا خارج المراكز الوظيفية لما استهدفهم.

على المجتمع المدني رفض انتهاكات السلطة العامة وأجهزتها، والتمسك بالمبادئ الدستورية، والمعايير الدولية، لضمان احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.

إغلاق