ماذا لو عادت “إسرائيل” لاحتلال الضفة؟

ماذا لو عادت “إسرائيل” لاحتلال الضفة؟

رام الله – الشاهد| كتب خالد فحل: في السنوات الأخيرة، بدا المشهد في الضفة الغربية أقرب إلى احتلال غير مُعلن. الطرق الالتفافية، الحواجز الثابتة، الاقتحامات الليلية، والسيطرة الأمنية المتوغّلة… كل ذلك يطرح سؤالاً يبدو صادمًا، لكنه واقعي:

ماذا لو عادت إسرائيل لاحتلال الضفة بشكل مباشر وصريح؟.

بمعنى أوضح: ماذا لو سقطت واجهة “السلطة”، وعاد الجنود الإسرائيليون يحكمون الشوارع والمدارس والمخافر، كما في سنوات ما قبل “أوسلو”؟.

أول ما سيتغير هو الشكل؛ لن يعود هناك رئيس ولا وزراء ولا شرطة بزي فلسطيني، بل دوريات إسرائيلية تُجري “الدوريات الأمنية” في وضح النهار. لن تكون هناك بطاقات VIP، ولا مناطق A أو B أو C، بل خريطة واحدة بلون واحد: السيادة الإسرائيلية.

وسيتحوّل المواطن الفلسطيني من “محكوم ذاتيًا” إلى خاضع مباشر لحكم عسكري، كما هو الحال في الخليل أو الأغوار أو نابلس القديمة.

لكن الجوهر، في الحقيقة، لم يتغير كثيرًا. فالتحكم الفعلي لم يُفلت من يد الاحتلال يومًا. السيادة الفلسطينية ما زالت مُقيّدة، والاقتصاد مكبَّل بقيود اتفاقية باريس التي منحت الاحتلال مفاتيح السوق والضرائب والمعابر.

والحركة مرهونة بتصاريح من المحتل.

الفرق الوحيد أن إسرائيل حتى الآن تُفضل “الإدارة بالوكالة”؛ أي أن يبقى فلسطينيون في الواجهة، يديرون شؤون شعبهم تحت سقف الاحتلال، لتتنصل من عبء المسؤولية أمام المجتمع الدولي.

غير أن هذا الغطاء الفلسطيني لم يعد مضمونًا.

بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي، يدفع السلطة الفلسطينية نحو حافة الانهيار عمداً، من خلال قرصنة أموال المقاصة وفرض إجراءات مالية خانقة، على أمل أن تنهار السلطة من تلقاء نفسها.

فهل ستفرج عن أموال المقاصة كي يعود شريان الحياة من جديد، أم أنها تنتظر الانهيار؟.

الهدف واضح: تفريغ الضفة من أي بنية سياسية مستقلة، وإجبار المجتمع الدولي على تقبّل حكم إسرائيلي مباشر كأمر واقع.

ولو قررت إسرائيل العودة إلى حكم مباشر، فلن يكون الاحتلال وحده هو المشكلة. السلم الأهلي نفسه سيكون في مهبّ الريح.

الانفلات الأمني سيتزايد، والاستقطاب الداخلي سيتعمّق، والخلافات السياسية ستتوحّش بلا رادع. وسنرى في الضفة ما نراه اليوم في الداخل الفلسطيني المحتل: مشاهد القتل اليومية، العصابات المسلحة، سلاح بلا سلطة، وتسيل الدماء على دروب الخلافات العشائرية.

وما هو أخطر من كل ذلك: أن الاحتلال حينها سيتحمّل كامل المسؤولية القانونية عن السكان.

فوفق القانون الدولي، فإن قوة الاحتلال تُعدّ مسؤولة عن تقديم كل الخدمات الأساسية للسكان الخاضعين لسيطرتها.

وسيتوجب على إسرائيل أن تتحمّل تكاليف التعليم، والصحة، والبنية التحتية، والنظافة، والمياه، والكهرباء، والإدارة المدنية… ما سيضعها تحت ضغط مالي وسياسي كبير، ويُعرّي زيف ادّعاءاتها “بالديمقراطية” أمام العالم.

إسرائيل تعلم هذا، ولذلك تُراهن على إبقاء الغطاء الفلسطيني فوق الطاولة، ولو كان هشًا، لأنها تدرك أن البديل سيكون فوضى لا يمكن ضبطها، لا في الضفة ولا في محيطها.

ولو سقط هذا الغطاء، فإنها ستعود إلى مربع المواجهة المفتوحة مع شعب يرى في الاحتلال مصدر كل الأوجاع، لا مجرد حالة طارئة.

سيكون الثمن على إسرائيل باهظًا.

فالاحتلال المباشر يعني مسؤولية كاملة أمام المجتمع الدولي، وعودة صور الجنود وهم يفتشون الأطفال ويكسرون الأبواب، وسيرتفع منسوب المواجهة في مجتمع فلسطيني يشعر أساسًا بالمهانة والقهر، وينتظر شرارة انفجار.

أما الشعب الفلسطيني، فسيعود إلى مربع الكرامة المجروحة.

سيتألم، نعم، لكن سينهض من تحت الرماد كما يفعل دائمًا.

قد نخسر شكلاً من أشكال الحكم الذاتي، لكنه وهمٌ تسلّل إلينا أكثر مما كان واقعًا نعيشه.

فالاحتلال كان حاضرًا دومًا، وإن تنكّر خلف واجهات الحكم الذاتي، فلا معنى للقول إنه سيعود؛ لأنه لم يغادر أصلًا.

إغلاق