هل الكرامة والسيادة تُوهب أم تُستجدى

هل الكرامة والسيادة تُوهب أم تُستجدى

رام الله – الشاهد| خط الكاتب الفلسطيني اسماعيل الريماوي مقالاً حول الاعترافات العالمية بالدولة الفلسطينية، ودور المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في إعادة الكرامة للعرب على الرغم من خذلانهم لها، وفيما يلي نص المقال كاملاً.

في عام 1982 وجدت بريطانيا نفسها أمام اختبار سيادي خطير عندما أقدمت الأرجنتين على غزو جزر الفوكلاند النائية في جنوب المحيط الأطلسي. فور تلقيها الخبر، لم تتردد مارغريت تاتشر، رئيسة الوزراء حينها، في إصدار أوامرها بعقد المجلس العسكري وإعلان الحرب لاستعادة الجزر. وعندما اقترح بعض مستشاريها أن تتجه أولًا إلى مجلس الأمن الدولي لتقديم شكوى، ردت بجملة صارت تُتداول بكثافة: “أنا لست زعيمًا عربيًا يتسول حقوق بلاده”.

قد يكون هذا الرد رمزيًا أو حتى منقولًا بروح التهكم السياسي، لكن دلالته عميقة، فهو يلخص الفرق بين قيادة تدرك أن السيادة لا تُستجدى وإنما تُحمى بالفعل، وبين واقع عربي اعتاد الارتهان إلى الخارج من الأمم المتحدة الى الولايات المتحدة، ثم إلى البيانات، وإلى الشجب والإدانة، حتى باتت الشكوى جزءًا من الثقافة السياسية الرسمية العربية.
ولعل المثال الأشد وضوحًا في هذا السياق هو فلسطين، أكثر من سبعة عقود والشعب الفلسطيني يرزح تحت الاحتلال، فيما الأنظمة العربية لم تتجاوز مربع الشكاوى والاجتماعات و القمم الطارئة، دون أن تترجم أقوالها إلى أفعال حقيقية تعيد الحقوق أو تردع العدوان، في المقابل اختارت بريطانيا خوض حرب عسكرية كاملة من أجل جزر صغيرة تبعد آلاف الكيلومترات عن لندن واستعادت سيادتها عليها خلال أشهر قليلة.

هذا التناقض يفضح أزمة الإرادة السياسية في العالم العربي، فالحقوق لا تُنتزع بالتصريحات ولا تُسترد بالخطابات، بل تحتاج إلى إرادة و قرار واستعداد لدفع الثمن، الشعب الفلسطيني وحده هو من جسّد هذه الحقيقة عبر مقاومته وصموده، بينما ظل النظام العربي الرسمي يراوح مكانه بين وساطات هشة وبيانات فارغة.
اليوم، بينما تُدك غزة بالصواريخ وتُحاصر بالتجويع وتُدفن تحت الركام، وتستهدف العواصم العربية من بيروت الى دمشق وصنعاء حتى الى الدوحة، لا يزال الموقف العربي يتكرر بذات الصورة: بيانات إدانة باهتة، ووفود دبلوماسية عاجزة، وشكاوى لمؤسسات دولية يعلم الجميع أنها بلا جدوى، وفي الوقت الذي يتسول فيه الزعماء العرب قرارات لا تُنفذ، يواصل الفلسطيني صموده  بدمه وجراحه، ليؤكد أن الكرامة والسيادة لا تُوهب ولا تُستجدى، بل تُنتزع انتزاعا بالفعل والتضحية.

إن القصة من فوكلاند إلى غزة تؤكد أن الفرق بين ما لا تصنعه الجغرافيا ولا القوة وحدها، بل الإرادة والقرار، ومن دون قيادة عربية تمتلك الشجاعة والجراءة لقول “لن نتسول حقوقنا”، سيبقى المشهد كما هو: عدو يتمدد، وأمة تتفرج.

إغلاق