في ظل الإقصاء والتبعية.. هل تلتقط السلطة إشارات المقاومة

في ظل الإقصاء والتبعية.. هل تلتقط السلطة إشارات المقاومة

رام الله – الشاهد| كتب اسماعيل الريماوي: لم يكن ردّ المقاومة الفلسطينية على خطة ترامب ونتنياهو مجرد موقف سياسي عابر واضعا نتنياهو في مازق كبير ، بل كان إعلاناً صريحاً وواضحا بأن الشعب الفلسطيني قادر على صياغة مستقبله بإرادته الحرة، بعيداً عن الوصاية الخارجية وبعيداً عن أي استثناءات مفروضة من واشنطن وتل أبيب.

فقد رفضت المقاومة استثناء السلطة من إدارة غزة، ودعت إلى إدارة فلسطينية موحدة على قاعدة الشراكة الوطنية، لا الإقصاء ولا التبعية، وأكدت أن أي حديث عن المستقبل الفلسطيني يجب أن يقوم على توافق شامل، يتجاوز الانقسام ويفتح الباب أمام وحدة الصف.

لكن في الجهة المقابلة، أعاد رئيس السلطة إنتاج خطابه المأزوم، مجدداً اشتراطاته للمشاركة في أي انتخابات قادمة، وهي شروط لا تختلف في جوهرها عن شروط الاحتلال نفسه: الاعتراف بإسرائيل، نبذ المقاومة، والالتزام بما يسمى “الالتزامات الدولية”، وكأن الشعب الفلسطيني لم يعد صاحب القرار، وكأن المقاومة التي كانت درعاً واقياً لهذا الشعب تحولت إلى خط أحمر لا يجوز أن يكون لها موطئ قدم في المشهد السياسي القادم.

هذه الشروط ليست مجرد بنود سياسية عابرة، بل رسالة صريحة: من لا يخضع لرؤية السلطة وحزبها يُقصى من الساحة، ومن يتمسك بخيار المقاومة الوطنية سيُمنع من أي مشاركة أو تمثيل.

التناقض هنا فاضح ومكشوف، فالسلطة تمنع غيرها من الترشح ما لم يلتزم بالبرنامج السياسي المتهالك لمنظمة التحرير، بينما تحتكر لنفسها حق المنافسة والتقرير، وكأن الانتخابات ليست وسيلة للتداول الديمقراطي بل أداة لإعادة إنتاج ذاتها وتثبيت شخص بعينه في موقع القوة، حتى ولو تآكلت شرعيته.

والأسوأ أن هذه الاشتراطات تتقاطع بشكل خطير مع مصالح المحتل، لتصبح أقرب إلى تنفيذ أجندة خارجية باردة، تتجاهل الدماء والتضحيات الفلسطينية، وتتعامل مع الشعب وكأنه مجرد رقم في حسابات سياسية تخدم واشنطن وتل أبيب.

وفي الوقت الذي تؤكد فيه المقاومة استعدادها للتوافق والتبادل وإدارة وطنية موحدة للقطاع والضفة، يخرج رئيس السلطة ليكرر وعوداً عن انتخابات مؤجلة إلى ما بعد الحرب على غزة، وعود تتكرر منذ سنوات دون أي خطوة عملية لوقف العدوان أو حماية شعبه من المجازر، وهنا يصبح الحديث عن الانتخابات مجرد واجهة سياسية لتغطية العجز والفراغ، لا أكثر، بل وسيلة لتكريس الانقسام وتهميش المقاومة وتفريغ الحق الوطني من مضمونه.

المعضلة إذن ليست في تفاصيل الانتخابات ولا في شكل الحكومة المقبلة، بل في تعريف المشروع الوطني نفسه، المقاومة تطرح مشروعاً يقوم على التحرير والوحدة، بينما السلطة تصر على إعادة تدوير وهم التسوية الفاشل، والمراهنة على الأمريكيين كوسطاء رغم أنهم شركاء مباشرين في حرب الإبادة والتهجير والضم.

وهنا يبرز السؤال المصيري: هل ستلتقط السلطة إشارة المقاومة، وتدرك أن الوحدة الوطنية على قاعدة الكفاح المشترك هي الطريق الوحيد لحماية الوجود الفلسطيني، أم ستبقى أسيرة خطابها الإقصائي الذي ينسجم مع الاحتلال أكثر مما ينسجم مع تطلعات شعبها؟الواقع أن استمرار هذا النهج لن يقود سوى إلى مزيد من العزلة السياسية، وفقدان ما تبقى من شرعية، في حين تطرح المقاومة  ـ رغم الحرب والحصار ـ العنوان الوطني الجامع، القادر على قيادة الفلسطينيين نحو مشروع تحرري حقيقي.

فالخيار أمام السلطة واضح: إما الالتحاق بمسار وطني جامع يفتح الطريق أمام وحدة الشعب، أو الانتحار السياسي في أحضان الاحتلال، تاركةً مصيرها للتاريخ الذي لا يرحم المتخاذلين.

إغلاق