الحجارة الخمسة.. هندسة الاحتلال الجديدة لواقع الضفة ومستقبلها

رام الله – الشاهد| خط الكاتب الفلسطيني اسماعيل الريماوي مقالاً حول عملية جيش الاحتلال الإسرائيلي الجديدة شمال الضفة الغربية، والتي تهدف لاستكمال خطة السور الحديدي بهدف اجتثاث المقاومة، وتدمير منازل المواطنين الفلسطينيين، وفيما يلي نص المقال كاملاً.
بدء جيش الاحتلال الإسرائيلي واحدة من أوسع عملياته العسكرية في الضفة الغربية تحت اسم «الحجارة الخمسة»، في إحالة مباشرة إلى البلدات الخمس التي شملها الاجتياح والتي تُعرَّف في الأدبيات العسكرية الإسرائيلية باسم «مخمس القرى» وهي لفظة عملياتية صنعتها المؤسسة الأمنية لتجريد المنطقة من هويتها المدنية وتحويلها إلى مربع عسكري مغلق خارج الزمن والسكان.
ورغم أن هذه المنطقة جاءت بعد اتفاق أوسلو ضمن تصنيف المنطقة أي تحت ولاية السلطة الفلسطينية، فإن إسرائيل تعود إليها كما لو أنها بلا سيادة وبلا سكان وبلا تاريخ، لتعاملها كوحدة عسكرية خالصة يُشرَّح فيها المكان كما لو كان خريطة هدف لا أكثر.
تشارك في العملية ثلاثة ألوية كاملة من الجيش الإسرائيلي هي منشة والشومرون والكوماندوز في مشهد يعيد رسم صورة الضفة بوصفها ساحة حرب مركبة وليست خطاً خلفياً أو منطقة تخضع للتحكم الأمني الروتيني، فإسرائيل باتت تنظر إلى شمال الضفة باعتباره الامتداد الطبيعي للجبهة المفتوحة في غزة والجنوب اللبناني، حيث لا يعود القتال عملاً موضعياً بل جزءاً من هندسة شاملة لردع المجتمع الفلسطيني وتفكيك مراكز ثقله وتحويل تجمعاته السكانية إلى جزر مقطوعة ومحاصرة.
أما المشهد الميداني داخل المدن والقرى الخمس طوباس وطمون وتياسير وعقابة ومخيّم الفارعة فيتجاوز الاعتقالات والاغتيالات والدهم إلى حرب على البنية التحتية نفسها إذ تُحوَّل المنازل إلى ثكنات وتُجرَّف الشوارع وتُقطع خطوط الماء والكهرباء والاتصالات ويجري التعامل مع المنطقة كما لو أنها كتلة عسكرية تتطلب التطهير الكامل وهو نفس السيناريو الذي بات مألوفاً في جنين ومخيّم طولكرم ومخيّم نور شمس حيث حلّ الدمار محل العمران وحلّ الفراغ السكاني محل الحياة.
وبحسب القراءة الإسرائيلية فإن منطقة «مخمس القرى» أصبحت بعد عام 2023 إحدى نقاط نشاط العمل المسلح وتشهد حضوراً لفصائل المقاومة وعلى رأسها كتيبة طوباس وكتيبة طمون التابعتان للجهاد الإسلامي إلا أن ما يجري يتجاوز بكثير محاولة وقف عمليات أو تفكيك خلايا فالمقاومة ليست سوى الذريعة الفورية بينما الهدف الحقيقي هو إعادة صياغة الجغرافيا السياسية للضفة كما تفعل إسرائيل عادة حين تُخضع منطقة ما لعملية تطهير ممنهج بطيء يراد له أن يراكم الخوف والتهجير والانكماش السكاني حتى يغدو الرحيل خياراً منطقياً لمن تبقى على قيد الحياة.
لهذا تبدو العملية الحالية في طوباس حرباً من نوع آخر لا تتجه إلى سحق المقاوم فقط بل إلى سحق البيئة التي قد تنجب المقاومة مستقبلاً إنها سياسة «الأرض الميتة» التي تنتجها تل أبيب اليوم على امتداد الشمال الفلسطيني إذ تتحول القرى والمدن والمخيّمات إلى ساحات اختبار لنموذج جديد يقوم على نقل تجربة غزة لكن بأدوات أقل صخباً وأكثر تدرجاً وبإسناد كامل من المناخ السياسي الإقليمي والدولي الذي ما زال يمنح إسرائيل مساحة واسعة لإعادة تعريف الاحتلال وتعميمه تحت ستار الأمن ومكافحة الإرهاب.
وفي عمق هذا الاجتياح رسالة واضحة بأن الضفة لم تعد مكاناً منزوع السلاح كما أرادته اتفاقيات أوسلو وأن إسرائيل تتعامل معها الآن بوصفها جبهة صاعدة يجب قمعها قبل أن يتشكل فيها واقع جديد يعيد إنتاج موجة مقاومة واسعة كالتي أنتجت انتفاضة الأقصى وأن ما فشلت فيه إسرائيل في جنين وطولكرم تسعى إلى فرضه في طوباس عبر التدمير الشامل وإخضاع السكان وإعادة هندسة المجال الحيوي الفلسطيني بحيث يتقلص وينكمش حتى يصبح غير قادر على التنفس.
ومع تراكم هذا المشهد تبرز حقيقة مرة وهي أن الضفة تدخل مرحلة حرب مفتوحة بلا إعلان رسمي، حرب لا تعتمد القصف الجوي الواسع كما في غزة لكنها أكثر خطورة لأنها تستهدف الجغرافيا الاجتماعية نفسها وتحول المدن إلى مسارح هشة يسكنها الخوف والموت والاقتلاع، فالحجارة الخمسة
ليست مجرد تسمية عملياتية بل عنوان لمرحلة جديدة تحاول إسرائيل فيها أن تخلق ضفة بلا قدرة على النهوض وضفة بلا مقاومة وضفة بلا مستقبل.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=97488





