38 عامًا على انطلاقة حماس.. محطات تاريخية عُبدت بالدم

رام الله – الشاهد| يوافق يوم 14 ديسمبر من كل عام ذكرى انطلاقة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي شكلت نقطة تحول فارقة في مسار الصراع والمواجهة مع الاحتلال.
وتأتي ذكرى إنطلاقة حماس الـ38 بعد مرور أكثر من عامين على حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة واستمرار تداعياتها الخطيرة، ووسط مواصلة الاحتلال جرائمه ومخططاته بحق شعبنا الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس المحتلتين.
منذ الإعلان عن تأسيسها في 14 ديسمبر عام 1987، مرّت حماس بمحطات تاريخية كبيرة، وساهمت بشكل بارز بالدفاع عن شعبنا ومقدساته وثوابته الوطنية.
وتعتبر الحركة مقاومة الاحتلال المشروع الاستراتيجي لها، وتعمل إلى جانب ذلك في مختلف الميادين، سواء السياسية والدبلوماسية والإعلامية والثقافية والجماهيرية والاجتماعية والإغاثية والتعليمية”، وفق موقعها الرسمي
وتعد المرحلة التي سبقت الإعلان رسميًّا عن انطلاقتها “مرحلة الإعداد”، إذ رأت فيها أنها مهمة لمواصلة الاستمرار في ظل مواجهة مشروع إسرائيلي مدعوم غربيًّا، ويحتاج لمرحلة كبيرة من الإعداد والتجهيز لإتمام مشروع التحرير.
النشأة والتأسسيس
يعود تأسيس حماس إلى 14 ديسمبر 1987، على يد مجموعة من قادة جماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة، كان أبرزهم الشيخ أحمد ياسين.
وتزامنت انطلاقتها مع بداية اندلاع أحداث الانتفاضة الأولى “انتفاضة الحجارة”، في 9 ديسمبؤ 1987 الذي لم يكن بالصدفة، فقد جاءتا نتاجًا طبيعيًا لـ20 عامًا من الاحتلال للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967.
وحملت حماس السلاح عام 1987، من خلال تأسيس جهاز عسكري أسمته “المجاهدون الفلسطينيون”.
وفي عام 1988، أصدرت الحركة ميثاقها الأول، وعرّفت نفسها بأنها جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين.
وقالت في الميثاق إنها تعتبر أن “منهجها، منه تستمد أفكارها ومفاهيمها وتصوراتها عن الكون والحياة والإنسان، وإليه تحتكم في كل تصرفاتها، ومنه تستلهم ترشيد خطاها”.
وعرّفت نفسها أنها “حلقة من حلقات الجهاد في مواجهة الغزوة الصهيونية، تتصل وترتبط بانطلاقة الشهيد عز الدين القسّام وإخوانه المجاهدين من الإخوان المسلمين عام 1936، وتمضي لتتصل وترتبط بحلقة أخرى تضم جهاد الفلسطينيين وجهود وجهاد الإخوان المسلمين في حرب 1948، والعمليات الجهادية للإخوان المسلمين عام 1968 وما بعده”.
وتؤكد حماس أنها حركة وطنية فلسطينية تعمل مع شعبها في الداخل والخارج، ومع مجموع القوى والفصائل الوطنية الإسلامية على مقاومة الاحتلال، وتحرير الأرض والقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وعودة اللاجئين والنازحين، وإنجاز المشروع الوطني الفلسطيني، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الحقيقية، والعمل على خدمة شعبنا في أماكن وجوده كافة بكل الوسائل وفي جميع المجالات، بما يمكنه من الصمود والثبات، وتحمل تبعات المواجهة مع الاحتلال.
ومن أبرز أهداف الحركة التي ذكرتها الوثيقة مقاومة الاحتلال وتحرير الأرض وإقامة دولة الإسلام.
واعتبر ميثاق حماس أرض فلسطين “وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة، لا يصح التفريط بها أو بجزء منها”، وأن تحرير فلسطين هو “فرض عين على كل مسلم حيثما كان”.
وفي عام 1992، أسست الحركة جناحها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسّام، وأعلن عنه في أول بيان صدر بتاريخ 1 يناير/ كانون ثاني من ذلك العام.
وكان قبل تأسيس “القسّام” يعمل باسم “المجاهدون الفلسطينيون”، بقيادة الشيخ الشهيد صلاح شحادة.
ونفّذت الحركة عمليات مقاومة مختلفة ضد الاحتلال، أسفرت عن مقتل عشرات الإسرائيليين، خلال السنوات الخمس، منذ التأسيس وحتى الإعلان عن إنشاء القسام.
وتمكّن “المجاهدون الفلسطينيون” من اختطاف الرقيب الإسرائيلي “آفي ساسبورتس” وقتله في 3 فبراير 1989، وكذلك الجندي إيلان سعدون في 3 مايو عام 1989.
لكن في مايو/أيار 1989، شن الاحتلال حملة ضدها ما أدى إلى تفككه، ودفع الحركة لاحقًا لتشكيل القسام.
في 17 يناير 1992، تعرضت حماس لضربة جديدة، بإبعاد 415 من قادتها وقادة الجهاد الإسلامي إلى منطقة “مرج الزهور” في جنوبي لبنان، وعادوا بعد عامين من الإبعاد والاعتقال.
المشاركة السياسية
وفي عام 2006، انخرطت حركة حماس في العملية السياسية الفلسطينية رسميًا للمرة الأولى عندما شاركت في الانتخابات التشريعية التي عُقدت في 25 كانون الثاني/ يناير من العام نفسه، وفازت بغالبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، في مفاجأة لم تكن متوقعة.
هذا النجاح لاقى رفضًا إسرائيليًا وأمريكيًا وأوروبيًا، كما رفضت حركة فتح وبقية الفصائل المشاركة في الحكومة التي شكلتها الحركة آنذاك برئاسة إسماعيل هنية، بدعوى “عدم الاتفاق على البرنامج السياسي”.
ملاحقة وحصار
ومنذ “انتفاضة الحجارة” وحتى “طوفان الأقصى” قدمت الحركة قادتها وكوادرها وجندها شهداء وأسرى وجرحى في طريق فلسطين والقدس، ولم تثنيها كل المحاولات والمكائد التي سعت للنيل منها ومن صمودها، ورفضها لكافة الخيارات العبثية عن الاستمرارفي مقاومة الاحتلال والتمسك بالثوابت الوطنية.
وتعرّضت قيادات حماس وكتائب القسام، للملاحقة الإسرائيلية، ولعمليات اغتيال بحقّ أبرز قادتها، مثل الشيخ صلاح شحادة، وإسماعيل أبو شنب، وأحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، ونائب القائد العام للقسام أحمد الجعبري، وعشرات القادة الآخرين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وخلال معركة “طوفان الاقصى” التي استمرت لأكثر من عامين، اغتالت “إسرائيل” رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، ونائبه صالح العاروري، كما استشهد رئيس الحركة القائد يحيى السنوار، وقائد هيئة أركان كتائب القسام محمد الضيف وثلة من قادتها.
ورغم ما تعرضت له من ملاحقة وحصار إسرائيلي، إلا أنها استمرت بتطوير قدراتها العسكرية والاستخبارية في قطاع غزة، وخاضت عدة حروب، كان أحدها معركة “سيف القدس” في مايو/ أيار 2021.
وأثبتت حماس قدرتها على تطوير أسلحتها وقدراتها العسكرية بشكل كبير في مواجهة الاحتلال، وصولًا إلى الصواريخ بعيدة المدى والطيران المسيّر، و”كمائن الموت”، والمتفجرات، والقدرة على تخطي نظام القبة الحديدية الإسرائيلية.
واستطاعت أن تشكل حالة استنزاف للاحتلال داخل الضفة وغزة، ورغم اتفاقية أوسلو إلا أنها حافظت وفصائل المقاومة على العمل المقاوم واستنزاف الاحتلال، خصوصًا في غزة.
ولم تتوقف عند ذلك، بل أولت اهتمامًا ملحوظًا في ملف الأسرى في سجون الاحتلال، إذ نفذت أكثر من عملية أسر لجنود إسرائيليين بهدف عقد صفقات تبادل لإطلاق سراحهم مقابل أسرى.
وفي عام 2006، تمكّنت كتائب القسام من أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط من داخل دبابته شرقي القطاع، واحتفظت به لمدة 5 سنوات.
وخاضت خلالها مفاوضات مضنية غير مباشرة، أفضت لإطلاق سراحه مقابل إفراج الاحتلال عن 1047 أسيرًا وأسيرة فلسطينية، معظمهم من أصحاب المحكوميات العالية.
وخلال العدوان الإسرائيلي على القطاع عام 2014، تمكنت القسام من أسر أربعة ضباط وجنود إسرائيليين.
طوفان الأقصى
وفي السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، تمكن مجاهدو القسام من اجتياز الخط الزائل للاحتلال وسط غطاء صاروخي مكثف واستهداف لمنظومات القيادة والسيطرة لدى الاحتلال، وتنفيذ هجوم منسق متزامن على أكثر من 50 موقعًا في فرقة غزة والمنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال، ما أدى إلى إسقاط دفاع الفرقة.
وتزامنًا مع الهجوم، أعلن القائد العام لكتائب القسام الشهيد محمد الضيف بدء عملية “طوفان الأقصى”، ردًا على جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين واقتحاماته المتكررة للمسجد الأٌقصى المبارك.
وخلال الهجوم، تمكنت كتائب القسام من قتل وأسر مئات الإسرائيليين، تم الإفراج عنهم ضمن صفقة “طوفان الأقصى” لتبادل الأسرى على دفعات، مقابل الإفراج عن 3985 أسيرًا فلسطينيًا، شملت 2718 أسيرًا من قطاع غزة اعتقلوا خلال الحرب الأخيرة.
وشكلت “طوفان الأقصى” تحوّلًا استراتيجيًا في مجرى الصراع وتاريخ المقاومة، كاشفة عن ضعف الاحتلال وهشاشته وعن تصدّع منظومة ردعه العسكرية، مما عمّق أزماته الداخلية.
وبذكرى انطلاقتها، أكدت حماس أن “طوفان الأقصى” كان محطة شامخة بمسيرة شعبنا نحو الحرية والاستقلال، وسيبقى معلمًا راسخًا وبداية حقيقية لدحر الاحتلال وزواله.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=98215





