وقف إضراب الأطباء…سابقة خطيرة على الحقوق والحريات

وقف إضراب الأطباء…سابقة خطيرة على الحقوق والحريات

رام الله – الشاهد| كتب: عمار جاموس/ قرار المحكمة بوقف اضراب نقابة الأطباء قرار غير دستوري ويجب عدم احترامه… القرار هو استمرار لعداوة العدل العليا مع الحق في الإضراب.

 

الدستور يكفل الحقوق والحريات، هو ينص على أن حقوق الإنسان وحرياته ملزمة وواجبة الاحترام (مادة ١٠)، وأن الاعتداء عليها جريمة لا تسقط بالتقادم (مادة ٣٢). وهذا يعني أن جميع الموظفين والهيئات والأشخاص يجب أن يلتزموا بالدستور، وأن يحترموا الحقوق التي يكفلها والحريات التي يصونها وأن يحموها… يجب أن يحموها… هذا واجبهم.

 

هم يقسمون على احترام الدستور، وفي حالة هذا القرار المؤقت، فإن القضاة هنا كانوا ملزمين باستبعاد تطبيق النص القانوني الذي يتعارض مع الدستور، أو أن يقوموا في أضعف الحالات بتفسير ذلك النص لمصلحة الحق أو الحرية إذا تعذر عليهم استبعاد تطبيقه.

 

لكنهم للأسف الشديد لم يفعلوا ذلك، وهذا يعني أن ثمة إخلال بواجبات الوظيفة العامة موجب للمساءلة قد وقع فعلاً.

 

فالحق في الاضراب يكفله الدستور، هو يكفله في حدود القانون (مادة ٢٥)، ولكن ذلك لا يعني في جميع الأحوال أن القانون هو قواعد مسلم بها ويجب احترامها دائماً.

 

و"المشرع" الذي يضع القانون، حتى لو كان منتخباً وحتى لو احترم الإجراءات وقواعد الاختصاص، فإنه ليس حراً بتشريع ما يريد من القوانين تحت مبرر في "حدود القانون".

 

القانون يجب أن يكون أخلاقيا… ويجب ألا يتعارض مع الدستور وفقاً لقاعدة هرمية التشريعات وإلا يكون الدستور كلام فارغ لا يسمن ولا يغني من جوع. إذ أن قاعدة هرمية التشريعات هي أهم قاعدة يدرسها المحامون والقضاة وكل من يدرس القانون في السنة الجامعية الأولى، هي من البديهيات.

 

والقرار بقانون رقم (١١) لسنة ٢٠١٧ بشأن تنظيم الاضراب في الوظيفة العامة، والذي استندت إليه المحكمة في قراراها المؤقت، يحظر الاضراب بصفة مطلقة على فئات معينة من الموظفين من ضمنهم الأطباء…

 

وهذا "القانون" غير دستوري ولا أخلاقي، لأنه حظر ممارسة حق مكفول دستورياً بصفة مطلقة. القانون أو الحكم أو القرار أو أي قاعدة تحظر أو تعطل ممارسة حق أو حرية بصفة مطلقة بشكل عام أو لفئة معينة من الناس، هي قواعد غير دستورية ولا تحترم.

 

ونفس الأمر ينسحب على الحق في الدفاع، وهو حق مقدس، تم النيل منه هو الآخر بصورة خطيرة جداً في هذا القرار، فالمحكمة أصدرت قراراها المؤقت في غيبة وفي غفلة من نقابة الأطباء "الجهة المستدعى ضدها"، والذي يكفل الدستور حقها في الدفاع.

 

والمحكمة في ذلك استندت إلى نظام الطلبات المستعجلة في القرار بقانون رقم (٤١) لسنة ٢٠٢١ بشأن المحاكم الإدارية (مادة ٢١)، وهو أحد "القوانين" الخطيرة غير الدستورية التي صدرت مؤخراً وأعادت تشكيل القضاء ومأسسة تبعيته للسلطة التنفيذية.

 

ومع التسليم بعدم دستورية هذا القانون أيضاً، فإن إعمال نظام الاستعجال في المبادئ العامة للقانون، مشروط دائماً بعدم المساس بأصل الحق، فالمحكمة بقرارها المؤقت والذي أوقفت فيه إضراب النقابة، مست الحق جوهرياً، لقد عطلته بالكامل، فماذا تبقى لها أن تحكم في قراراها النهائي؟!.

 

هذا خطير للغاية ومؤسف أن تؤسس المحكمة لحالة انتهاك الحقوق والحريات في غيبة وفي غفلة من أصحابها بداعي تطبيق نص قانوني غير دستوري ولا يتفق مع المبادئ العامة للقانون، هذا لم يكن موجداً من قبل.

 

والمحكمة لم تهتم في كل ما سبق! لقد كان قرار من صفحة واحدة فقط. إذا كان دور المحكمة هو تطبيق النص القانوني دون أي بحث أو إجابة عن شكوك منطقية أثناء تطبيقه، ودون أن تصل وتوصلنا معها لقناعة بأن هذا القانون صحيح وأنه يعبر بحق عن إرادة الشعب، ودون أن تمكن الناس من حقهم في الدفاع عن أنفسهم… فما فائدة المحاكم إذن؟

 

في الحقيقة هذه هي فائدتها. الأنظمة الدكتاتورية تستخدم النظام القضائي لفرض قيود اعتباطية وغير ضرورية على الحقوق والحريات. المحاكم هي يد النظام الضاربة لسحق المعارضين والمنظمات غير الحكومية ومن ضمنها النقابات.

 

والنظام بإمكانه استخدام أدوات القمع الأمنية منذ البداية، ليس هنالك ما يمنعه، ولكن هذه الطريقة قد تكون مكلفة له، فهي صادمة للناس وللخارج أيضاُ.

لذلك المحكمة أقل "شوشرة"، وبعدها وبحجة تنفيذ القرار القضائي، يمكن أن يسجن الأطباء لأنهم امتنعوا عن تنفيذ قرار محكمة، علما أن الحكومة نفسها تمتنع عن تنفيذ قرارات محاكم لا تعجبها ولا يسأل أحد عن ذلك.

 

لقد بذل الأطباء خلال العام المنصرم جهوداً مضنية في مواجهة الجائحة. كان يفترض أن تستجيب الحكومة لمطالبهم، لا أن تراوغ وتتنكر لجهودهم وتستخف بهم، هم بالمناسبة حصلوا على أعلى المعدلات في التوجيهي إذا كانت الحكومة لا تعلم …السواد الأعظم منهم تسعينات وعلمي… خداعهم ليس سهلاً كما تتصور الحكومة.

 

أزمة النظام الصحي لا يتحملها الأطباء، هي قائمة منذ البدايات، لم ينال القطاع الصحي الأموال والكادر البشري والبنية التحتية اللازمة على مدار السنوات الماضية، دائماً كان هنالك نقص في المستشفيات وفي الأسرة وفي الأطباء وفي الممرضين وفي الأجهزة الطبية، والجائحة فقط كشفت صورة الواقع القبيح الذي كنا نعيش وما زلنا.

 

هذا القرار المؤقت لا يجب احترامه، كما لا يجب احترام أي قانون أو حكم قضائي أو حكم محكمة دستورية، إذا كان يتعارض مع نص الدستور أو لا يحترم حقوق الإنسان وحرياته.

 

والمناسبة هذا القرار هو امتداد لسلسلة قرارات سابقة تنكرت فيها ذات المحكمة بمسميات مختلفة للحق في الاضراب.

 

حتى قبل الجائحة، جميع الاضرابات التي وصلت المحكمة، حكمت بوقفها… في جميعها قررت المحكمة وقفها "نقابة الأطباء، نقابة المحامين، اتحاد نقابة العاملين في الجامعات، اتحاد المعلمين… أنا متأكد أن المحكمة كانت سوف تقرر وقف اضراب نقابة الأطباء حتى لو لم تكن الجائحة… هذا نهج.

إغلاق