حلاقة ببلاش… وكرامة بالأقساط!

رام الله – الشاهد| كتب خالد فحل: مع بداية العام الدراسي الجديد، أعلنت بعض الصالونات في المدن الفلسطينية عن مبادرات لتقديم حلاقة مجانية للطلاب والمعلمين. خطوة تبدو إنسانية في ظاهرها، لكنها في الحقيقة مرآة تعكس حجم الأزمة التي وصلت إلى حد أن يصبح المعلم عاجزاً عن دفع أجرة حلاق، وأن يجد الطالب نفسه سعيداً بمبادرة كهذه لأنها تخفف عن أسرته المنهكة من الفقر.
المعلم الذي يفترض أن يكون عماد العملية التربوية لم يعد يملك راتباً يحفظ له كرامته، والطالب الذي يفترض أن يكون مستقبل الوطن لم يعد يتلقى دعماً يحمي طفولته من ذل الحاجة. وهكذا، تتحول الحلاقة المجانية إلى مشهد ساخر ومؤلم في آن واحد: الشعر مهذّب، لكن الكرامة مقصوصة بالمجان.
لقد صارت استعدادات العام الدراسي تبدأ من “المقص والمشط” لا من تطوير أساليب التدريس وتوفير بيئة تعليمية تليق بالطلاب. الوزارة تجد راحتها في ضبط المظاهر: طول الشعر، شكل اللباس، لون الحذاء… بينما تبقى العقول مشوشة، والصفوف مكتظة، والمدارس تعاني نقصاً في أبسط الأدوات. كأننا نقنع أنفسنا أن الانضباط في قصة الشعر يعوّض غياب الانضباط في السياسات التعليمية والاقتصادية.
لكن جوهر الأزمة ليس في الشعر، بل في الكرامة. كرامة المعلم الذي يقف على أمام طلابه ليزرع العلم وهو عاجز عن تأمين قوت يومه. كرامة الطالب الذي يحلم بمستقبل أفضل، لكنه يبدأ سنته بصدقة الحلاقة المجانية بدل أن يبدأها بكتاب جديد ومقعد نظيف وأمل واضح.
المجتمع لا يحتاج مبادرات ترقيعية، بل يحتاج إلى إصلاح اقتصادي وتربوي يعيد الاعتبار للكرامة قبل أي شيء آخر. فما قيمة أن يكون رأس المعلم محلوقاً إذا كان جيبه فارغاً؟ وما قيمة أن يكون الطالب أنيقاً إذا كان عقله مثقلاً بالحرمان؟.
في النهاية، قد يخرج الطالب من الصالون بشعر مرتب، ويقف المعلم أمام طلابه وهو أنيق المظهر، لكن الحقيقة تبقى واضحة: أن الجيوب فارغة، والكرامة مقصوصة، والتعليم مرهون بالأقساط. لا نريد أن نُختزل في صورة تذكارية لطلاب محلوقي الرؤوس ومعلمين ببدلات مكوية، بينما الحقيقة أن ما تحت الشعر أثقل من كل المقصات: عقل مثقل بالهموم، وقلب مثخن بالخيبات. فإذا كان الشعر قد سقط تحت شفرات الحلاقين، فإن الكرامة سقطت تحت شفرات السياسات، وتلك خسارة لا يصلحها أي مشط في العالم.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=93302





