أرقام ومعطيات.. الاستيطان يلتهم ما تبقى من الضفة خلال عامين من الحرب
رام الله – الشاهد| تشهد الضفة الغربية منذ اندلاع الحرب الأخيرة تصاعدًا غير مسبوق في وتيرة الاستيطان، ما يعكس سياسة إسرائيلية قديمة تتجدد بقوة كلما تصاعدت الأزمات الأمنية والسياسية. وتظهر بيانات من منظمة السلام الآن وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان أنّ ما يجري اليوم ليس استثناءً، بل امتداد لمسار بدأ منذ احتلال عام 1967، لكنه بلغ مستويات أخطر خلال الأشهر الماضية.
توسع متسارع تحت غطاء الحرب
خلال العام الأخير، وثّقت المؤسسات الحقوقية عشرات البؤر الاستيطانية الجديدة، معظمها زراعية، أُقيمت في مناطق مختلفة من الضفة الغربية بغطاء من الجيش الإسرائيلي، في وقت يستمر فيه تحويل بؤر قائمة إلى مستوطنات معترف بها رسميًا. هذا التوسع جاء متزامنًا مع تصاعد العنف الاستيطاني ضد الفلسطينيين، وفرض مزيد من القيود على الحركة ومصادرة الأراضي.
146 مستوطنة و224 بؤرة غير مرخصة
تشير بيانات “السلام الآن” إلى أنّ الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية تضم 146 مستوطنة رسمية معترف بها، إلى جانب 224 بؤرة استيطانية غير مرخصة (134 بؤرة + 136 مزرعة-بؤرة بحسب تصنيف المنظمة). أما هيئة مقاومة الجدار والاستيطان فتوثّق أرقامًا أعلى قليلًا، لكنها قريبة، ما يعكس اختلاف المنهجية في الرصد: فالمنظمة الإسرائيلية تعتمد على التصنيف الرسمي، بينما الهيئة الفلسطينية ترصد الوجود الفعلي على الأرض حتى وإن لم يُشرعن رسميًا.
737,332 مستوطنًا
بحسب تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (آذار/مارس 2025)، بلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، 737,332 مستوطنًا. هذا الرقم يُعد الأدق والأحدث في السجلات الدولية، ويُظهر الحجم المتنامي للكتلة الاستيطانية وتأثيرها المباشر على الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية.
وفي تصريح بتاريخ 21 آب/أغسطس 2025، أكّد رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان أنّ مخطط E1 الاستيطاني يهدف إلى السيطرة على أكثر من 12 ألف دونم من أراضي الضفة، وبناء ما يزيد على 3,400 وحدة استيطانية جديدة. وأوضح أن هذا المشروع يشكّل أخطر حلقات التوسع، إذ يعزل القدس الشرقية تمامًا عن محيطها الفلسطيني ويقطع التواصل بين شمال الضفة وجنوبها.
التوزيع الجغرافي: كتلة ممتدة من القدس حتى الأغوار
يركّز الاستيطان على مناطق حساسة تشكّل العمود الفقري لأي كيان فلسطيني محتمل. في القدس وضواحيها تتمدد مستوطنات كبرى مثل معاليه أدوميم وبسغات زئيف وجيلو، ما يفصل القدس الشرقية عن محيطها الفلسطيني. في رام الله والبيرة تنتشر بؤر حديثة في شقبا ورنتيس ودير أبو مشعل، بينما تُعتبر الخليل الأكثر كثافة بمستوطنة كريات أربع والبؤر المحيطة بالبلدة القديمة.
أما شمال الضفة، فتحتضن نابلس وسلفيت مستوطنات ضخمة مثل أريئيل ويتسهار، في حين تتركز في الأغوار مستوطنات زراعية مثل بيت هعرافاه ونعما وبقعوت، التي تستحوذ على آلاف الدونمات الخصبة وتتحكم بالمياه. هذا التوزيع يكشف شبكة استيطانية متصلة، تقطع أوصال الضفة وتحوّلها إلى جزر معزولة.
البؤر الاستيطانية: رأس الحربة
أكثر ما يثير القلق هو سرعة إقامة البؤر الزراعية. فبحسب “السلام الآن”، جرى إنشاء أكثر من 100 بؤرة جديدة خلال العقد الأخير، بينما توثق هيئة مقاومة الجدار ما يزيد على 120 بؤرة في الفترة ذاتها. هذه البؤر تبدأ صغيرة، لكنها غالبًا ما تتحول إلى مستوطنات قائمة بذاتها، في ظل حماية عسكرية ومخططات حكومية غير معلنة.
الآثار على الفلسطينيين
هذا التوسع يترك أثرًا مباشرًا على الفلسطينيين، إذ تتواصل عمليات مصادرة الأراضي الزراعية لصالح البناء الاستيطاني والطرق الالتفافية، ما حرم عشرات القرى من أراضيها ومصادر رزقها. كما أدت شبكة الطرق الخاصة بالمستوطنين إلى عزل القرى الفلسطينية، وتحويل الضفة الغربية إلى جزر متناثرة. وبالتوازي، يتصاعد العنف الاستيطاني في مناطق مثل نابلس والخليل ورام الله، حيث تتكرر الاعتداءات على السكان الفلسطينيين بغطاء من الجيش الإسرائيلي. وعلى المستوى الاقتصادي، تفاقمت خسائر المزارعين بعد حرمانهم من الوصول إلى أراضيهم ومصادر المياه، وسيطرة المستوطنات على الموارد الزراعية الحيوية، وهو ما يعمّق الأزمات المعيشية ويضعف قدرة الفلسطينيين على الصمود.
خلاصة
تُظهر الأرقام الدقيقة أنّ الحرب الأخيرة لم تُبطئ الاستيطان بل وفّرت له غطاءً سياسيًا وعسكريًا لمزيد من التوسع. فالضفة الغربية اليوم تضم 146 مستوطنة رسمية و224 بؤرة غير مرخصة، يسكنها أكثر من 737 ألف مستوطن، بينما تُنذر مشاريع مثل E1 بالاستيلاء على آلاف الدونمات وبناء آلاف الوحدات الجديدة. هذه الشبكة الاستيطانية لا تعيد إنتاج واقع الاحتلال فحسب، بل ترسم خريطة جديدة تجعل إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا أكثر صعوبة من أي وقت مضى.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=94784