لا فضل لأحد على غزة: وحدها وقفت حين سقط الجميع

رام الله – الشاهد| خط الكاتب اسماعيل الريماوي مقالاً حول انتهاء الحرب على قطاع غزة، ومحاولة البعض تسلق سلم وقفها، وتحديداً من قبل السلطة الفلسطينية التي زعمت أنها قامت بكل جهد منذ بداية الحرب لإيقافها، وفيما يلي نص المقال كاملاً.
لا فضل لأحد على غزة، فهي التي صمدت وحدها حين انهار الجميع، وهي التي وقفت عارية في وجه النار، لا تملك إلا إرادتها وإيمانها وحقها في الحياة، من بين الركام نهضت غزة، ومن بين الدماء صنعت المعنى، ومن بين الحصار رسمت الطريق، لم تنتظر دعمًا من أحد، ولم تستجدِ نصرة من عالم اغشى بصره عن جراحها، بل كانت هي النور في زمن العتمة، والنبض في جسد الأمة الذي كاد يتوقف.
غزة لم تطلب منّا الشكر، ولم تبحث عن منّة أحد، لكنها علمتنا معنى الكرامة حين خان الجميع، ومعنى المقاومة حين تحوّل الآخرون إلى متفرجين أو شركاء في الجريمة، لم تبكِ غزة رغم الوجع، ولم تتراجع رغم الخذلان، فكل طلعة شمس فيها شهادة جديدة على صبرها، وكل طفلٍ يخرج من تحت الركام يعلن أن هذه الأرض لا تموت، وأن الدم لا يُهزم مهما اشتدت النيران.
لكن الخيانة لم تأتِ فقط من الصهاينة الذين يقصفون بيوت الأطفال، بل من صهاينة العرب الذين تاجروا بدماء غزة وسخروا من جراحها، الذين جلسوا على شاشات العار يشمتون بالمقاومة ويبررون للقتل، أولئك الذين كانوا أكثر صهيونية من الصهاينة أنفسهم، فتكلموا بلسان العدو وهم يتوشحون بالعروبة، ووقفوا في صف المحتل ضد أبناء جلدتهم، وحاربوا كل من رفع راية الحق والحرية.
غزة التي نزفت وحدها، كانت تعرف أن الطعنات لن تأتي من الخلف فقط، بل من كل من باع ضميره وارتدى عباءة “الاعتدال” الكاذب، ومن كل من حسب أن طريق القدس يمر عبر تل أبيب، ومع ذلك لم تهن ولم تلن، فكل جولة حرب فيها كانت امتحانًا جديدًا للإنسانية، وانتصارًا جديدًا على الخذلان.
لا فضل لأحد على غزة، فهي التي حمت شرف الأمة حين انكشفت عوراتها، وهي التي أعادت تعريف الكرامة في زمن التواطؤ، وهي التي فضحت كل الأقنعة التي سقطت تحت وهج الحقيقة، ستبقى غزة عنوانًا للصبر والبطولة، وجرحًا مفتوحًا في وجه العالم المنافق، وستبقى تقول للعرب جميعًا: من أراد المجد فليأتِ من طريق الدم، لا من طريق التطبيع، ومن أراد الشرف فليتعلم من غزة كيف تصنع الأقدار بالدم والرماد.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=95192