انهيارات في جيش الاحتلال بعد 7 أكتوبر.. سقوط الأسطورة أمام الحقيقة

انهيارات في جيش الاحتلال بعد 7 أكتوبر.. سقوط الأسطورة أمام الحقيقة

رام الله – الشاهد| خط الكاتب الفلسطيني محمود كلم مقالاً حول نتائج التحقيقات لدى الاحتلال في هجوم السابع من أكتوبر، وفيما يلي نص المقال كاملاً.

منذ الساعات الأولى لعملية «طوفان الأقصى» بدا أن المشهد الذي يتصدّع أمام أعين قادة الكيان ليس مجرد ثغرة أمنية ولا إخفاقاً استخباراتياً عابراً، بل زلزالاً تاريخياً يهزّ إحدى أضخم المؤسسات العسكرية في الشرق الأوسط. ولم يتوقف هذا الزلزال، بل تواصل مع موجة الإقالات التي أعلنها رئيس الأركان إيال زامير، واضعاً نهايةً مهينة لعدد من كبار القادة الذين قُدِّموا لسنوات باعتبارهم حراس “الدولة القوية”.

لم يكن قرار زامير شطب قادة مثل حليفا، فينكلمن، بسيوك وروزنفلد مجرد إعادة ترتيب إدارية، بل اعترافاً قاسياً بأن الجيش الذي كان سكان الكيان يفاخرون بقدرته على “المعجزات العملياتية” قد فشل في أول اختبار حقيقي أمام قوة مقاومة منظّمة تمتلك الإصرار أكثر مما تمتلك السلاح.

لم تكُن المفاجأة في حجم التوغّل فحسب، بل في الدقة التي أثبتت أن المقاومة قضت شهوراً وربما سنوات في جمع المعلومات ومراكمة القدرة، بينما كانت الاستخبارات الاحتلالية غارقة في ثقةٍ متعالية بأن “الغلاف حصين”.

تُعد هذه الإقالات مؤشراً على اهتزاز العقيدة العسكرية للكيان، لا مجرد عملية محاسبة. فالتقارير الداخلية التي تسربت خلال الأشهر الماضية تؤكد أن ما حدث في 7 أكتوبر لم يكن مجرد فشل في الاستجابة، بل فشل في الفهم: فهم طبيعة الخصم، وفهم حدود القوة، وفهم أن الجدار الإلكتروني لا يمكنه حماية جيشٍ يغرق في الغرور.

يمكن القول إن جيش الاحتلال يعيش اليوم أخطر أزمة هوية منذ عام 1973. لكن الفارق بين الأزمتين أن حرب تشرين بقيت ضمن إطار مواجهة عسكرية كلاسيكية، بينما 7 أكتوبر زعزعت الركائز الأسطورية التي بُنيت عليها صورة الجيش: الردع، الحذر، التفوق الاستخباراتي، والقدرة على المبادرة.

لم يعد الشارع داخل الكيان يرى في هذه الإقالات “مسؤولية قيادية”، بل غايةً في حد ذاتها: البحث عن وجوه تُحمَّل الفشل كي يبقى رأس الهرم السياسي بعيداً عن خط النار. إلا أن معظم المحللين يجمعون على أن حجم الفشل يتجاوز القادة الذين أُقيلوا، وأن محاولة حماية السلطة السياسية لن تنجح في محو حقيقة أن الجيش لم يكن مستعداً للحظة هي الأخطر في تاريخه.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الثقة بالمؤسسة العسكرية تراجعت إلى مستويات غير مسبوقة، وأن “القدسية المؤسسية” التي تمتع بها القادة العسكريون لعقود باتت موضع شكّ، خصوصاً بعد توالي التقارير التي تحدثت عن ارتباكٍ وسوء إدارة وتضارب أوامر في الساعات الأولى للعملية.

يبقى السؤال: هل كان هذا الجيش يوماً بلا هزيمة؟
لقد بُني الإيمان داخل الكيان بهذه الأسطورة على خطاب القوة أكثر مما بُني على الحقائق، وعلى نجاحات عسكرية سريعة أُضفيت عليها هالة من القدرات الخارقة. لكن التاريخ، بمراجعته بمنهج أكاديمي محايد، يكشف أن جيش الاحتلال هُزم في لبنان عامَي 2000 و2006، وتعرض لعمليات نوعية في غزة خلال العقدين الأخيرين، وصولاً إلى ما حدث في 7 أكتوبر، الذي لم ينسف الأسطورة فحسب، بل عرّى هشاشتها.

قد يستعيد جيش الاحتلال جزءاً من قدرته العسكرية، وقد تُعاد هيكلة منظومته الأمنية، لكن ما لن يعود بسهولة هو صورة الجيش التي سُوِّقت طويلاً كأيقونة قوة لا تُمس.
لقد فتح طوفان الأقصى صفحة جديدة في الوعي الإقليمي والدولي: صفحة تقول إن القوة المادية مهما تضخمت لا قيمة لها إن وُلدت من الغرور لا من الفهم، وإن جيوشاً بُنيت على الهالة الإعلامية قد تنهار في ساعات أمام خصم يعرف ماذا يريد.

وهكذا، لم تعد المسألة اليوم: “لماذا فشل القادة؟”، بل:
هل ما زال جيش الاحتلال يمتلك ثقةً في نفسه أصلاً، كي نتحدّث عن هزيمة أو انتصار؟

إغلاق