كتب عبد الله عواد: سلاح المقاومة الشرعي خط أحمر
الضفة الغربية – الشاهد| بكل تأكيد، وصل إلى مسامع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، خبر إفراج محاكم الاحتلال عن المستوطن المتطرف إليشع يارد، قاتل الشهيد الشاب قصي معطان في قرية بُرقة، شرق مدينة رام الله.
وبكل تأكيد أيضًا، يعرف "أبو مازن"، أكثر من غيره، أن الإفراج عن قاتل الشهيد قصي معطان، ليس سوى مثال، في مسيرة مليئة بمثل هذه الإفراجات والحمايات لإرهابيين صهاينة مارسوا القتل والإجرام بحق كل ما هو فلسطيني، من بشر وحجر وشجر، على هذه الأرض المباركة.
هذا الإفراج وغيره، ليس بجديد ولا مستغرب على محاكم الاحتلال العنصرية والمتطرفة، أما المستغرب فهو الموقف الذي يقابله، ويمثله رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الذي لايزال مصرًا على أنه لا سلاح شرعيًا سوى سلاح السلطة، الذي يعجز عن حماية الفلسطينيين من عربدة عصابات المستوطنين المدعومين بقوات وجنود الجيش والشرطة الصهيونية، ولا يُشهر إلا في وجه المقاومين.
بعد إغراءات التسهيلات الموعودة التي لوّحت بها حكومة الاحتلال المتطرفة لقيادات السلطة، عقب معركة "بأس جنين"، مقابل القيام بمسؤولياتها الأمنية في ملاحقة واعتقال المقاومين، بدأت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية بتنفيذ الأوامر الصهيونية، وهددت باستخدام القبضة الحديدية تجاه من أسمتهم "الخارجين عن القانون"، كما جاء في بيان تلك الأجهزة، وهنا نتساءل: لماذا تغيب القبضة الحديدية لأجهزة السلطة الأمنية، وقت اعتداءات عصابات المستوطنين وجنود الاحتلال على الفلسطينيين، ولماذا لم تُغث تلك الأجهزة ترمسعيا وحوارة وغيرهما، حين تعرّضت للحرق بفعل همجيّة وإجرام المستوطنين؟
لا يكاد يخلو يوم إلا وتضج فيه التقارير والإحصائيات الصادرة عن المؤسسات الحقوقية بأعداد الشهداء والجرحى والأسرى والبيوت المهدمة والحرق الاستيلاء على المحاصيل الزراعية، هذا غير الجريمة الكبرى المتمثلة بالنمو الاستيطاني الذي لا يشبع من سرقة الأرض الفلسطينية. وهنا: أليس من العار على هذه الأجهزة الأمنية، التخلي عن حماية أبناء شعبها أمام هذه العربدة والبلطجة الإسرائيلية؟
لا تفسير لهذا التخاذل، سوى قول شاعر الخوارج: أَسَدٌ عليَّ وفي الحروبِ نعامة. فأجهزة السلطة الأمنية تُلاحق وتُطاردُ كالأسود المقاومين، لكنها أمام عصابات المستوطنين وجنود الاحتلال، تتحوَّل كالفريسة أثناء اختبائها؛ لأن هذه وظيفتها التي رُسمت لها في عهد الرئيس الذي يكفر بالمقاومة ولا يؤمن إلا بالمهادنة.
فزّاعة السلاح الشرعي، رافقت أيضًا لقاءَ الأمناء العامّين للفصائل الفلسطينية، في مدينة العلمين المصرية، وسط مقاطعة حركة الجهاد الإسلامي لعدم الاستجابة لشرطِها الأخلاقيِّ والوطنيِّ بالمشاركة، والمتمثلِ بالإفراج عن المعتقلين السياسيين في سجون سلطة أوسلو التي قالت قياداتها إنه لا شروط قبل المشاركة، وكل الأمور تُبحث في الاجتماع.
المثير للسخرية، أن ما حرّمته السلطة على الجهاد بعدم وضع الشروط قبل المشاركة، حلّلَته لِنفسها بفرض مطالِبها التعجيزية التي ذكرها رئيس السلطة محمود عباس في كلمته، إذ اشترط لإنهاء الانقسام الفلسطيني وتشكيل حكومة وحدة، ما اعتاد تكراره في جميع كلماته ولقاءاته، منذ تعيينه رئيسا للوزراء في زمن الرئيس الراحل ياسر عرفات وإلى اليوم، حين أكد على وجوب الالتزام بقرارات غزالته "الشرعية الدولية"، وأن "المقاومة الشعبية السلمية هي الأسلوب الأمثل لمواصلة النضال وتحقيق الأهداف الوطنية".
وفي كلمته، لم يفت رئيس السلطة اشتراطه لسلاح شرعي وحيد في دولة النظام والقانون التي يحلم بها، وكأن سلاح المقاومة دخيل على الشعب الفلسطيني.
ومع يقيننا، بأن جميع قرارات ما تُسمى بالشرعية الدولية التي يحسب "أبو مازن" أنها ستقودُه إلى تحقيق أوهام السلام والدولة المستحيلة، لم يعد أدنى شك، في حقيقة كونها "سراب" لم يَعد يُنكره سوى سيادته، وإلى أن يستفيق من غفوته، من حقنا أن نتساءل أيضًا: عن أي دولة قانون مازال يَحلم بإقامتها بجوار دولة تعيش فوق القانون الإنساني والأخلاقي والدولي، بل وتمارس العنصرية حتى في قضائها بين مستوطنيها. ثم كيف سيَحمي سيادته أبناء شعبه من إجرام وإرهاب المستوطنين، وخاصة مع تنامي اعتداءات ما تُسمّى "فتية التلال" في الضفة الغربية المحتلة، وهل سيكون للسلاح الشرعي الوحيد، الذي يدّعيه، أيُّ دور في حماية أبناء شبعنا الفلسطيني، أم سيطلب الحماية من الشرعية الدولية، ويُعيدُ على مسامعنا كلمته المشهورة "إحمونا"؟!
الشعب الفلسطيني لا يطلب الحماية من أحد، وهو يَعرفُ كيف يَحمي نفسَه وأرضَه ومقدساتِه، وهو لم ولن يُراهن في أيِّ يومٍ من الأيام، على أيٍ من البقرات التي يُقدِّسها "أبو مازن" لِتستردّ له حقًا من حقوقه، ولا لِتدفع عنه عدوانًا من عدوِّه الصهيوني. الشعب الفلسطيني أَيقنَ بأنّ مشروع التسوية والتفاوض، لن يُحرّر شبرًا واحدًا، ولن يُعيد حبّة رمل واحدة من تراب أرضه، ولذلك يترسّخُ انحيازه لنهج المقاومة الممتدة على جميع مساحات الوطن المحتل.
السلاح الشرعي هو السلاح الذي يدافع عن الوطن والمواطن، هذه هي وظيفته التي صُنع من أجلها، أما السلاح الذي يَعجز عن التصدي للجيبات العسكرية ويصيبه العمى عند رؤية الدوريات الإسرائيلية، ولا يُشهر إلا في وجه بني جلدته، فهو سلاح مشبوه، كبندقية الإيجار، والسلاح المشبوه النار أولى به.
سلاح المقاومة خط أحمر، ويجب أن يرتقي إلى مصاف الثوابت المقدسة للشعب الفلسطيني، مَنْ يُفرّط به كَمَنْ يُفرِّط بالقدس وبحق العودة، أما السلاح الذي يَقف مُتفرّجًا عند اقتحام قوات الاحتلال أيّ مدينة وقرية فلسطينية، ويَتخلّى عن حماية أبناء شعبه، فهو السلاح الوحيد الذي يستحق الوصف بأنه سلاح غير شرعي.
المسُّ بسلاح المقاومة، هديّة مجانيّة لاحتلالٍ لا يَعرف إلا لُغة القوة، ودعوة مجنونة للانتحار في مواجهة كيان يَزداد تطرّفًا وإجرامًا، ولكم أن تتخيّلوا كيف سيكون حال الشعب الفلسطيني لو كان مُجرّدًا من سلاحه الشرعي، في صراعه مع حكومة اليمين الصهيوني المتطرفة، وغلاته من أمثال بن غفير وسموتريتش؟!
أي دعوة للتشكيك بسلاح المقاومة الشرعي هي دعوة مشبوهة ولا تَصدر إلا من خائن يُريد تَجريد شعبه من مصدر قوته، وتركه وحيدا في مواجهة عصابات الإجرام الصهيونية من جنرالات وجنود ومستوطنين، شعارهم الدائم هو "العربيُّ الجيّد هو العربيُّ الميت".
عند سلاح المقاومة، تَسقط "الشرعية الدولية"، وتَسقط "حكومة الشرعية الدولية"، وتَسقط "الهياكل العظمية" التي أنت رئيسها، كما سقطت كلَّ المشاريع والأوهام التي آمنت بها وأوصلت القضية الفلسطينية إلى هذا الواقع المرير بفعل رهاناتك الفاشلة.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=14717