الأجهزة الأمنية اللا فلسطينية والمهمة الوظيفية؟

الأجهزة الأمنية اللا فلسطينية والمهمة الوظيفية؟

حسان محمود – الشاهد| اليوم ومع طوفان الأقصى وبعد مرور 56 يوماً على هذا الطوفان يعصف في عقول الشعب الفلسطيني وجماهيره الغاضبة وشباب فلسطين في الداخل والخارج في الضفة وغزة سؤال كبير لا يجدون له جواباً، أورثهم غماً وهماً، بل وفي بعض الأحيان إحباطاً وهذا السؤال هو:

لماذا لا تتحرك أجهزة السلطة الأمنية في الضفة الغربية للدفاع عن الفلسطينيين أو المشاركة في المقاومة رغم كل هذه الدماء والاعتداءات ؟

وهنا لا بد لنا من الرجوع في التاريخ سنوات للوراء حتى يعي هذا الجيل حقيقة الواقع وأسبابه ومسبباته فمعذرة أيها الشباب على الإطالة، ولكن لا بد من قراءة التاريخ لفهم الواقع ولتفادي الاخطاء في المستقبل، فمع انطلاق انتفاضة الأقصى عام 2000 وتصاعد العمليات وانخراط مجموعة لا بأس فيها من أبناء فتح والعاملين في الأجهزة الأمنية في تلك الانتفاضة، بدأت دوائر المخابرات في الولايات المتحدة ودولة الكيان في تقييم حالة الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وخلصت إلى ضرورة إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية من الناحية البنيوية ومن ناحية العقيدة الأمنية والعسكرية لتلك الأجهزة، وقد تم اتخاذ العديد من التوصيات من قبل المخابرات الأمريكية والإسرائيلية.

 

الخطة الأمريكية الإسرائيلية

وهذه التوصيات تم تنفيذها على عدة مراحل يتم تنفيذها خلال مجموعة من الخطوات منها ما هو سياسي ومنها ما هو عسكري ومنها ما هو اقتصادي، لذلك كان لا بد من إيجاد حالة من الصدمة في المجتمع الفلسطيني واستنزافه اقتصاديا ووطنيا، ومن ثم إيجاد شخصيات تابعة وعميلة للاحتلال على رأس مفاصل السلطة الحساسة، بحيث يتم السيطرة على السلطة وتدجينها بطريقة تضمن للاحتلال التبعية المطلقة بجانب قدرة هذه السلطة على البقاء وعدم ثورة الجماهير عليها من خلال كي الوعي وتطبيع الخيانة بشكل متدرج في المجتمع، ولتحقيق تلك الأهداف تم وضع خطة للتنفيذ بعدة مراحل وهي:

 

قتل أبو عمار

التخلص من الرئيس الراحل أبو عمار أو الضغط عليه لتسليم السلطة لأحد أتباع الاحتلال وقد حاول الراحل أبو عمار المناورة فأعطى أبو مازن رئاسة الوزراء وبعض الصلاحيات، وتسليم سلام فياض وزارة المالية، مع ترك أبو عمار قرارات الصرف المالي بيده ليستطيع تمويل المقاومة، وهو ما رفضه عباس وسلام فياض وثارت ثائرتهم، فقام أبو عمار بإقالة عباس لما استشعر خطره، لكن عباس سوف يسير بالخطة المرسومة له من قبل مشغليه.

حيث تم حصار أبو عمار في مقر المقاطعة من قبل الاحتلال الصهيوني، وعقد عباس ودحلان ومجموعة من “قيادة السلطة من المنتفعين والمغمورين الطامحين لمناصب في فترة ما بعد عرفات كحسين الشيخ- كان مطلوباً رأسه لأبو عمار-” لوضع خطة لما بعد أبو عمار وما فضحهم رسالة أبو عمار المسجلة بعنوان رسالة إلى المجتمعين في بيت العار، وبالفعل تم تصفية أبو عمار.

 

مرحلة كرزاي فلسطين

أما المرحلة الثانية فكانت بتسليم عباس زمام المنظمة والسلطة وفتح، وكان هناك رفض في القاعدة الشعبية لفتح لعباس تجلت بإطلاق النار عليه في عزاء أبو عمار في غزة من قبل أحمد حلس، ونعته بكرزاي فلسطين، لكن سرعان ما تم إسكات جميع الجيوب من خلال التهديد لقيادة اللجنة المركزية بفيديوهات وتسجيلات لتلك القيادة الفاسدة، فأصبح أبو مازن رئيساً السلطة الفلسطينية، أما رئاسة الوزراء فكان لا بد من تسليمها لشخصية ثانية بنفس مواصفات أبو مازن، وما أخر هذه الخطوة فوز حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي وسيطرة الأخيرة على الحكومة مما أخر سيطرتهم على الحكومة.

 

الانقلاب على الديمقراطية

ليقوم أبو مازن ومحمد دحلان وبتمويل أمريكي إسرائيلي للعمل من أجل إسقاط حركة حماس، وهو ما قاد في نهاية المطاف لحسم حركة حماس السيطرة على قطاع غزة وانقلاب أبو مازن على خيار الشعب وسيطرته على مقاليد الأمور في الضفة الغربية، ومن ثم وتسليم سلام فياض الحكومة، ولم يكن اختيار سلام فياض عبثاً، فسلام فياض هو الشخص الذي كان يعطي الاحتلال والأمريكان معلومات المعاملات المالية لأبو عمار وطرق تمويله للعمل المسلح والذي تم أخذ قرار تصفيته بناء على تلك المعلومات.

وقد تم اختيار سلام فياض ليكون رئيس الوزراء وليس أي شخص من فتح حتى لو كان فاسداً لأن تشكيل الأجهزة الأمنية يحتاج لشخص لا يوجد لديه أي بعد وطني أو أخلاقي أو ذرة من الإنتماء لفلسطين أو القضية الفلسطينية ولا يؤمن بعدالة القضية الفلسطينية أو يحمل خلفية وطنية في مرحلة التشكيل للأجهزة الأمنية، وللاستزادة حول سلام فياض يمكن الرجوع والبحث حول هذا الشخص.

 

الجندي المسخ

ومنذ ذلك الحين بدأت إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية وهيكلتها على عدة مراحل أهمها:

التخلص من كافة القيادات التاريخية العسكرية والتي كانت ترى في الصهاينة العدو الأول واستبدالهم بشخصيات ” مهنية”، وهنا لا نقصد أنهم كفاءات ولكن نقصد أنهم يتعاملون مع الأجهزة الأمنية كوظيفة ليس لها أي طابع وطني بل على العكس لديها طابع وظيفي محدد تحدده اللوائح الناظمة والعقيدة الأمنية التي تحددها السلطة.

كي وعي عناصر أبناء فتح واستغلالهم مرحليا من أجل تثبيت عقيدة جديدة لدى الأجهزة وتصوير ما حدث من انقسام على أنه معركة بين فتح وحماس وأن حماس تسعى لإنهاء فتح ومع الأسف كثير من أبناء فتح أو جل أبناء فتح وحتى بعض أبناء حماس وقع في هذا الفخ مع العلم أن سبب ما حدث هو اختلاف في المنهج بين تيار يرى أنه لا بد من التسليم والعيش تحت بساطير الاحتلال ومنهج يرى في المقاومة سبيلا للتحرير ودحر المحتل واستعادة الحقوق.

 

قتل الانتماء

استبدال أبناء فتح من العساكر وعناصر الأمن الميدانيين بعناصر ليس لهم انتماء، أو بالأحرى ليس لديهم بعد وطني، وتعبئتهم بعقيدة الأجهزة الامنية التي تم وضعها بعناية، وتفيد بان العدو هو حماس وبأن العمل داخل الأجهزة الأمنية هو وظيفة ليس لها بعد وطني وإنما بعد وظيفي، فأصبح التنكيل بأبناء الشعب وظيفة لحفظ الأمن، وحماية المستوطنين الداخلين لأراضي السلطة واجب من أجل الالتزام بالاتفاقيات الموقعة، وحتى من يتم تفريغهم من أبناء فتح المحررين على الأجهزة الأمنية يتم تقييمهم من قبل لجنة مختصة وبناءً على ذلك التقييم يتم فرزهم على الأجهزة المختلفة، فمن لديهم القدرة على تدجينه يتم إدماجه في هذه الأجهزة ،أما من يكون تقيمه سلبي فيتم تفريغه إسمياً وتتم متابعته ومحاولة السيطرة عليه من خلال التعبئة وغرس العقيدة الأمنية الجديدة فيه وقليلاً ما تنجح في ذلك.

 

الخاتمة

لذلك فإننا نرى أن الأجهزة الأمنية الحالية بنيت خلال الخمسة عشر سنة الماضية لتقوم بما تقوم به اليوم ويمكن أن نقول وقلوبنا يعصرها الألم أن الاحتلال والولايات المتحدة استطاعت إنجاز مهمتها على مدار السنوات الماضية في الضفة الغربية لكنها فشلت في غزة.

كما نستطيع أن نقول بالمقابل فإن حركة حماس أيضا استطاعت أن تحقق ما هدفت له خلال تلك الفترة من خلال إنشاء جيش من المقاومين، وإيجاد نموذج لسلطة تحتضن المقاومة تعمل كل الفصائل الفلسطينية في ظلها بحرية وأمان، لتؤكد أن ما حصل عام 2007 لم يكن يستهدف وجود فتح أو خلاف على كرسي أو منصب ولكن خلاف على نهج  ومنهج،  نهج يريد التفريط بالوطن ونهج يريد استعادة الوطن، وما تشهده مخيمات الضفة من التحام وتعاضد في النضال والجهاد سيكون بإذن الله بداية النهاية لمشروع التفريط، وبداية التحرير بإذن الله.

إغلاق