الطالب الجامعي محمد رباع.. بأي ذنب تعتقله السلطة منذ 211 يوماً

الطالب الجامعي محمد رباع.. بأي ذنب تعتقله السلطة منذ 211 يوماً

رام الله – الشاهد| بكلمات موجعة وقلب يفيض حزناً، كتبت شقيقة المعتقل السياسي لدى أجهزة أمن السلطة محمد رباع تفاصيل تخص حالة شقيقها داخل السجن، وكيف يعتني من ويلات الإعتقال السياسي.

ورباع الذي يدرس في جامعة بيرزيت معتقل منذ ٢١١ يوماً لدى مخابرات البيرة، دون أن يرتكب اي جريمة توجب اعتقاله والتنكيل به وتعذيبه.

وكتبت شقيقة رباع هذه الرسالة المطلوبة عبر حسابها على منصة فيسبوك، وجاءت كالآتي:

يوم الجمعة قبل يومين زرت أخي “الموقوف” في الطابق السفلي من مقر المخابرات في البيرة. أخبرني بأن هذا هو يومه ال ٢٠٨ هنا، وهذا يعني أنه يكمل اليوم ٢١٠ أيام في السجن.

بالطبع لم أذهب للتحقق من عدد الأيام باستخدام الطرق الحديثة، ولا حاولت عدها ذهنيا حتى، إيمانا مني بأن السجين لا يخطيء حتما في عد أيامه. فما نعايشه هنا من سرعة الوقت لا يشبه أبدا ساعاتهم التي تسير مثقلة الخطى بالرغم من أنهم ممنوعون من اقتناء أي ساعة تدلهم على الوقت!.

ومنذ انقضاء الشهر الأول وانتهاء المحاكمات “الشكلية” على التهم الملفقة له ولأصدقاءه وحصولهم جميعا على قرارات إفراج لأكثر من مرة. إلا أن الجهاز “الأمني” يرفض الانصياع للقرارات القضائية لهذا “الدولة” العتيدة التي يتغنون بها!.

ومنذ ذلك الوقت وفي كل زيارة أسبوعية يعطوننا أملا بأن الأمور ستحل قريبا وسيخرجون خلال فترة قصيرة!. كل مرة يخبروننا بأن لجنة ما تناقش قرار “إخلاء السبيل”. ولجنة أخرى من الصليب الأحمر أجرت مقابلة. ولجنة حقوق الأنسان فعلت كذا. ونحن الآن ننتظر لجنة طبية لتقر بسلامتهم الجسدية!.

وهكذا كما ضيعنا البلاد منذ أن قررت الأمم المتحدة إنشاء لجنة للتحقيق في أحداث حائط البراق في ال١٩٢٩. لا أدري تاريخيا هل كانت تلك اللجنة الأولى في عمر قضيتنا أم سبقتها لجان أخرى. لكن هذا ما أتذكره حين أسمع كلمة “لجنة”. تلك إبرة التخدير والأمل الكاذب المتكرر في كل مرة منذ ٢١٠ أيام.

كلثلاثاء القادم سيخرجون إن شاء الله هذا الوعد في المرتين أو الثلاث الأخيرة. لست متأكدة لم أعد أحفظ أرقام الوعود ولا أركز في تفاصيلها فهي كاذبة إلى أن يثبت العكس.

يسألني في كل مرة أزوره وحدي عن الأخبار. يستمع لأي خبر باهتمام بالغ ولو كان بتفاهة عراك بين ولدين في المدرسة! يريد أن يسمع أي شيء يبقيه متصلا بالعالم الخارجي. ولا أحد غيري يسهب في الحديث متجاهلا وجود كاميرا تراقب وتسجل الزيارة بالصوت والصورة. الجمعة سألني ماذا يحدث في العالم؟ ماذا يفعل ترامب ؟ ربما سمع العساكر والضباط يتكلمون عن مستقبل الضفة.

وسألني أيضا عن الصفقة وعن الأسرى المبعدين أين ذهبوا؟. ربما يجد من يجيبه عن كل تلك الأسئلة في المرة القادمة حين يزوره أبي وأمي. لكن السؤال الذي لربما أجيد إجابته أكثر من غيري هو ماذا يحدث في سوريا؟. في كل مرة علي أن ألخص ماذا جرى في الأسبوعين الماضيين هناك وهو يستمع باهتمام.

في هذه المرة بدا متفائلا بالفرج القريب “الثلاثاء القادم حسب زعمهم” وبأنها “قربت” كما يكررون على مسامعنا في كل مرة. لكن هذه المرة أحسست أنه سعيد نوعا ما فسعدت لأجله. في المرات السابقة كان يبدو محبطا وحزينا وشاحبا ويخبرني بأنه لا أحد يعلم متى ينتهي كل هذا وإلى متى يبقون هنا.

كان يسألني مرات عديدة هل يذكرني أحد؟ هل يتكلم عني أحد؟ هل هناك من ينشر ويتكلم عنا؟ ويحزن حين إجيب بالنفي على أغلب تلك الأسئلة. ثم يردف قائلا بأنه لا فائدة من كل هذا “ع الفاضي” كما يقول لن يغير هذا شيئا من واقعهم!. ويسألني هل تتذكرونني في البيت أم أنكم اعتدتم غيابي!.

كنت طيلة طريق العودة مشيا أفكر في تلك الأسئلة. في ذلك الهاجس الذي يدور في خلد السجين بأنه يُنسى مع مرور الوقت! وأفكر يا ترى كيف حال من يقضي ٢٠ سنة وكيف حال أسرى المؤبدات. وأتأمل ذلك الحرص على البحث عمن لا زال يذكره! في سؤاله الدائم من سيأتي لزيارتي في المرة المقبلة. وبحثه عن وجوه جديدة.

في الحقيقة لقد مل من قدومي وحدي ومل “سوالفنا” عن الأخبار وتوبيخي الدائم له كأخت كبرى تمارس مهمتها “المقدسة” في “الأستذة” ويريد وجوها جديدة يضحك معها على نكتة سخيفة ربما!.

لا أدري لماذا قررت الكتابة والنشر هذه المرة. مع أنني أحاول تجنب ذلك منذ وقت. ولماذا أصر حين أكتب على تلك الأرقام الصحيحة ٦ أشهر و ٢١٠ أيام وسخافات كتلك. فحتما معاناة اليوم الاخير في الشهر الخامس كمعاناة اليوم الأول في الشهر السادس!. ولليوم ٢٠٩ نفس ثقل الساعات والأنفاس تماما كما اليوم ٢١٠. لكنها سخافات البشر التي تجيد العد والاحتفاء بالأعداد الكاملة!.

ربما أكتب هذا المرة استبشارا بأن يكون فعلا الثلاثاء القادم هو الثلاثاء الأخير. وبأنه لا أعداد صحيحة أخرى قادمة ولن نصل للشهر السابع!.

وربما أكتب لتخليد تلك الذاكرة وحفظها من النسيان. أو لعلها الرغبة في جعل الآخرين يشاركوننا الدعاء والشتائم على أولئك المخلصين تمام الإخلاص لمحتل يذلهم. المتفننين في تعذيب أبناء شعبهم. وكأن عذاب محتل متوحش لا يكفي وحده!.

نسأل الله أنه كما فتحت سجون المجرم الطاغية بشار وفرغت. وكما يخرج أسرانا من سجون عدونا. أن تكسر سجون هذا السلطة اللعينة المليئة بخيرة الشباب ومعها كل سجون الطغاة في كل مكان.

إغلاق