محمود الهباش.. من حاميها حراميها إلى حاخام المقاطعة

محمود الهباش..  من حاميها حراميها إلى حاخام المقاطعة

رام الله – الشاهد| “برز الثعلب يومًا في لباس الواعظينا.. مخطئ من ظنّ يومًا أن للثعلب دينًا”.. مثل يُخلص حكاية المدعو محمود الهباش قاضي القضاة وكبير مستشاري رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

الهباش برع منذ هروبه إلى رام الله وعمله كبطانة سوء لعباس، بتحريف نصوص من القرآن الكريم لغايات تحقيق مصالحه الشخصية وتمرير جرائم وفساد السلطة الفلسطينية.

الهباش خرج بمشهد بدا ساخرًا، عقب اشتباكات بين قوات الاحتلال ومقاومين، ليعلنها من على منبره، “مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا” وليؤكد بعدها بأن “الدم الفلسطيني مثل الدم اليهودي تمامًا”.

من هو محمود الهباش؟ 

ووضع الهباش بتصريحه العمليات الفدائية وجرائم الاحتلال على نفس المستوى، مؤكدًا بأنه لا فرق بين جريمة قتل هنا أو هناك.

تصريحه لم يكن غريبا عن مساره الذي اختطه خلف عباس، ورغم ما أثاره من جدل وسخرية واستهجان، إلا أن مداخلاته لم تقف عند ذلك الحد، ولم تكن منقطعة عن سياقاتها.

ولا يمكن فهم دوافعه ومآلاته دون فهم السيرة الذاتية لـ محمود الهباش نفسه انطلاقًا من كونه عضوا سابقا في حركة حماس، ووصولا لتحالفه مع رأس المعسكر الآخر في السياق الفلسطيني، محمود عباس.

محمود الهباش ويكيبيديا

الهباش عُين بمنصب قاضي قضاة السلطة الشرعيين ومستشارًا للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية، بناءً على قرار عباس بعد طُرد من حركة حماس عام 1994.

ووفق تقارير صحفية فإن ملفات فساد الهباش، وكشف خيانته ومكره وسرقته المتكررة لأموال الحركة وأموال الزكاة، هو ما دفع حماس لطرده، وهو ما مثل محطة فاصلة في حياة محمود الهباش.

فر الهباش بعد طرده نحو رام الله، ليبدأ بعدها فورا بالتصريح باعتباره أن ما جرى كان استقالة من حماس، وأنه لم يُطرد.

إلا أن المسؤول الإعلامي لهيئة علماء فلسطين بالخارج حافظ الكرمي كان له رأي آخر، حينما أكد أن الهباش يؤمن بأن بينه وبين غزة ثأراً كبيراً باعتبار أن غزة أخرجته هارباً بعد أن كُشف فساده في غزة. لذلك فهو يعتقد بأن غزة فضحته، وبالتالي يثأر لنفسه منها.

فضيحة محمود الهباش 

وهذا ما دفعه لأن يبرز مستقلاً بنفسه لتشكيل حزب الاتحاد، معتقدًا بأن هذه هي وسيلته لمحاربة حماس.

بدأ يتذبذب لينضم لحركة فتح، ليكون أول المحاربين والناقدين لحماس، إلى أن انتقل تدريجياً لملازمة عباس حتى كسب ثقته.

وَجد عباس في الهباش الطلاقة في الخطاب الديني، ما دفعه كأي رئيس “متسلط” بأن يكون بحاجة إلى جانبه شخصية ولو كانت كاريكاتيرية دينية “بمصطلحات دينية” لتزين له ما يفعل من خلال الآيات القرآنية والأحاديث.

وهذا ما أهله لأن يطلق خطبه من منبر مسجد التشريفات في مقر الرئاسة في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة وأمام عباس.

فساد محمود الهباش

بدأ الهباش مسيرته مع عبّاس الذي نزع سلاح المقاومة وأعلن أن التنسيق الأمني مع الاحتلال مقدس، ليتعهد الهباش لرئيسه باستجلاب الفتوى تلو الفتوى، للتبرير والتأويل باسم الدين بالتأكيد -كونه يمّثل منصب قاضي القضاة- إذ أن مهمة التشريع والتبرير لم تكُن صعبة على الهباش اطلاقاً، فقد برر كل قرار يتخذه عبّاس.

واستمر في طريقه مع رئيسه “مطبلً” بأن “عباس أب ورئيس للشعب كله، ليس هناك أحد مُقدم على أحد عنده، الجميع سواسية، وهو ملتزم بالقانون والعدل”. حيث كان ذلك كافٍ ليوضح العلاقة بينهما -كونهم وجهين لنفس العملة-.

فقد وجه الهباش تركيزه على تشويه وتكفير صورة أي حركة أخرى، وبالأخص حماس ليتماشى مع توجه عباس، وبسبب ماضيه ومعانته معهم. لذلك، كان يستهدفهم في خطاباته الدينية وخاصة خُطب يوم الجمعة الفريدة من نوعها، وعمل على تكفيرهم وشرّع بأن محاربتها والقضاء عليها فريضة شرعيّة على كل مسلم لأن حماس بوصفه “تنهى عن المنكر وتأتيه”، ومؤكدا بأن حماس “أداة رخيصة في يد الاحتلال الإسرائيلي وأمريكا، وتتاجر بدماء الشهداء للحصول على بضعة ملايين، وأنها نست وتجاهلت القدس وفلسطين”.

ما لا تعرفه عن محمود الهباش

تناقضات الهباش تجلت قي مقابلة سُئل من خلالها بأن هل من حق أي شخص يرتقي المنبر ويتحدث في السياسة وفق المُجمع عليه، وليس السياسة الحزبية؟ فأجاب بأن المسجد ليس مكاناَ للصلاة والعبادة فقط، بل حاضنة لبناء العقول والتوجيه المعنوي والسياسي والوطني والاجتماعي، لكن ممنوع استخدام الدين والمنبر للتنظير الحزبي”.

بينما في الواقع، كان الهباش أكثر من يستغل المنابر في خطبه لمهاجمة حركات المقاومة ويشن حرباً حزبية من خلال خطبه.

فمع كثرة مواقف عباس التي تحتاج لتبرير أمام الفلسطينيين أولاً، والعالم ثانياً. فقد “اضطر” عباس للمشاركة بجنازة الرئيس التاسع لإسرائيل “شمعون بيرس”، رغم إدانة الفصائل الفلسطينية التي دعته للتراجع عن قراره وعدم المشاركة بالجنازة التي تحولت لاجتماع دعم دولي لإسرائيل.

وكعادة الهباش، فقد خرج عباس ليجد التفسير الأنسب للمشاركة “الشرعية” وقال إنها بإطار الحنكة السياسية التي قطع الرئيس خلالها الطريق على المتربصين بالمشروع الوطني، وعلى من أرادوا أن يضعوه موقف محرج، ليرفض المشاركة ويظهر وكأنه معادياً للسلام.

جرائم محمود الهباش

فقد لوحظ أن مواقف الهباش تحضيراته وتشريعاته تجاه عباس، لم تكن مواقف اتُخذت عفو الخاطر ووحي اللحظة، بل ما هي مواقف مُخطط لها من قبل تسلمه مناصبه.

الهباش أصدر فتوى بأن محاربة المقاومة والقضاء عليها فريضة على كل مسلم.

ولعدم إنكار دور عباس ومستشاره الهباش وجهودهم الجبارة التي تتمثل بأعمال السلم التي حققوها بنجاح، فقد تمحورت أعمالهما بإرجاع المستوطنين إلى أهاليهم، واعتقال المقاومين، وإطلاق النيران لتفريق المتظاهرين، لتمسكه بما يصفونه بـ “المقاومة السلمية” لمواجهة الاحتلال “البريء”.

تقودنا هذه المواقف للكشف عن سر الهباش وتشريعاته التي يصدرها تحت غطاء ديني ليبرر مواقف عباس “المخزية” أمام العالم، ما خلق له مكانة على كل طاولة للحوار السياسي بسبب فتاواه المثيرة للجدل، ولمناقشة فساده وتمدده الذي فاق الحدود كلها. وبالعادة يعتمد الفاسد بأنه لديه بطانة تحميه ممن سيقفون بوجهه ورجال دين يشرعون مواقفه المتناقضة.

صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” العبرية نقلت عن الهباش قوله إن عباس أدان حماس في كل مكالمة واجتماع عقده مع قادة العالم منذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي، لكنه لن يفعل ذلك علنا بينما الحرب مستمرة في قطاع غزة.

محمود الهباش حاخام المقاطعة

الهباش يكرر ذات الأسلوب مع حسين الشيخ الذي تم تنصيبه نائبا لرئيس السلطة الفلسطينية ونائب رئيس منظمة التحرير.

ووصف في مقابلة متلفزة الشيخ بأنه “شخص خرج من رحم المعاناة الفلسطينية وأسير سابق ومناضل على مدى سنوات وهو لصيق للرئيس عباس وتشرب الخبرة منه وجاء لمصلحة وطنية فلسطينية في هذه الظروف”.

الرد على خطاب الهباش كان قاسيا من المصلين في أحد مساجد رام الله الذين انسحبوا لحظة اعتلاء المنبر لإلقاء خطبة الجمعة.

وانسحب المصلين من المسجد اعتراضا على إلقاء الهباش خطبة الجمعة، الذي عُرف بمواقفه المناهضة للمقاومة الفلسطينية.

طرد محمود الهباش

الفساد المستشري في دم الهباش منذ تسعينات القرن الماضي، استمر معه حتى اليوم، إذ أثيرت حوله المزيد من شبهات الفساد، لا سيما في ملف الأيام ومكارم الحج التي تأتي لأهالي الشهداء والأسرى كل عام، والتي يتدخل بها شخصياً ويفرض أسماء بعينها، ويفرض على وزارة الأوقاف ومؤسسة أهالي الشهداء الحج معهم كل عام.

فقد استبدل عشرات الأسماء من أهالي الشهداء، بأسماء شخصيات مقربة منه ليتمكنوا من السفر والحج، فيما طلب من كل عائلة شهيد وأسير في المكرمة مبلغ من 5-7 آلاف دينار أردني مقابل الحصول على تلك المنحة بدون قرعة، رغم أنها مجانية وهو ما دفع للبعض للقول عنه “حاميها حراميها”.

فيما كشفت وثائق فلسطينية مسربة أن الهباش يمتلك العديد من العقارات باهظة الثمن، في الأردن والتي اشتراها للسكن فيها إذ ما ترك الرئيس عباس المنصب، وبقي الهباش وحيداً، فالأخير يعلم أن قيادات فتح بالضفة الغربية حاقدة عليه وتتمنى محاكمته.

فيما شهد عام 2013، إطلاق النار من قبل مسلحين ملثمين للنار على مكتبه بعد دقائق من دخوله في حي الجنان بمدينة البيرة.

فساد أبناء محمود الهباش

عين الهباش العديد من أبنائه في السلك الحكومي، بدون مسابقات كما جرت العادة، فقد عين ابنته إسراء بعد تخرجها مباشرة من جامعة بيرزيت بمنصب مدير (c) في مؤسسة الرئاسة ثم نقلت لتعمل في مؤسسة قاضي القضاة عند والدها، وأخيراً رئيسة وحدة التخطيط في هيئة مكافحة الفساد علماً أن تخصصها لغة إنجليزية.

وسبق تعيين إسراء تعيين أخيها الأكبر أنس في منصب وكيل نيابة رغم حصوله على معدل 51 بالمائة في الثانوية العامة، فأنس الذي أثيرت حوله شبهات تجارة المخدرات في الضفة الغربية، يستغل منصب والده وقربه من الرئيس عباس للقيام بالزعرنة والبلطجة على المواطنين في شوارع رام الله.

ووعد أحد العاملين في النيابة العامة في الخليل في يوليو 2020، محمود الهباش بأنهم سيقدمون هدية لابنه أنس في يوم ميلاده رداً على فضح بعض الشخصيات الفلسطينية لفساده، وكانت الهدية باعتقال الأجهزة الأمنية للمهندس فايز سويطي كعقاب له على كشف فساد الهباش.

محمود الهباش شيخ التطبيع

لا يخجل الهباش في القول إن العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين يجب أن تكون قائمة على السلام والحب، وليس المقاومة، فالامتيازات التي يمتلكها تمنعه من قول إن الإسرائيليين محتلين وسارقين للأرض وقاتلين للفلسطينيين.

وكان آخر لقاءات الهباش مع الإسرائيليين عقد نهاية عام 2020، برام الله، والذي قدم لهم وجبة غداء بمناسبة عودة العلاقات بين السلطة والاحتلال الإسرائيلي، ناهيك عن التقائه لشخصيات دينية إسرائيلية بحجة التسامح الديني.

محمود الهباش السيرة الذاتية

ولد الهباش في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة عام 1963، وحصل على شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية عام 2009.

شغل منصب قاضي القضاة عقب هروبه من غزة وتدرج في المناصب في الحكومات المتعاقبة لقربه من عباس.

ويعد الهباش الذي طرد من حركة حماس في قطاع غزة، وهرب إلى الضفة الغربية عام 2007، عبر تسليم نفسه للاحتلال على الحدود، ونقله بمركبة عسكرية إسرائيلية إلى رام الله، من أكثر الشخصيات الحاقدة على المقاومة وسكان قطاع غزة.

إذ طرد من حركة حماس بعد ثبوت سرقته للكثير من الأموال والعقارات التي كان يستأمن عليها أثناء عمله في الحركة، لتتلقفه أجهزة مخابرات السلطة وتستخدمه بوقاً إعلامياً ودينياً ضد حماس بعد أن شكل حزب الاتحاد، قبل هروب السلطة والهباش من غزة.

إغلاق