حكومة عاجزة عن الفعل.. مُجيدة في المطالبة
رام الله – الشاهد| كتب خالد جودة: حين تصبح وظيفة الحكومة مجرد تبني مطالب المواطنين، دون أي فعل أو ابتكار للحلول، نكون أمام نموذج صارخ لفشل القيادة السياسية. المواطن هو من يطالب، والحكومة هي من تُنفّذ، لا العكس.
ورغم تراكم الأزمات، لم نرَ حتى اعتذاراً واحداً من مسؤول، ولا حتى استقالة تعكس أدنى درجات تحمّل المسؤولية.
أحد الزملاء قال لي بمرارة: “في رام الله، يكتفي أصحاب القرار بالنظر إلى صور الدمار في غزة، يحمدون الله أنهم بخير، وينهون يومهم على هذا الأساس.” هل هذا منطق دولة؟ أين الرؤية؟ أين المبادرة؟.
من الصعب أن نتصوّر أن أداء وزراء الداخلية أو المالية أو الاقتصاد من دول كالإمارات أو قطر أو الأردن سيكون بهذا المستوى من الركود الفكري والعملي.
حكومة عاجزة عن أن تكون خلية ديناميكية لحل مشكلات الناس، تراهن على زيارات استعراضية إلى المعابر دون أي تأثير حقيقي على واقع المواطنين المنتظرين.
ولا يقتصر هذا العجز على البنية الإدارية، بل يمتد ليشمل تجاهلاً صارخاً لمعاناة القطاعين الأكثر حيوية: الصحة والتعليم. في غزة، تتآكل المنظومة الصحية تحت ضغط شح الإمكانيات والحصار، ولا تجد الحكومة إلا الصمت أمام نداءات الأطباء والمرضى.
وفي الضفة، تزداد معاناة المدارس والجامعات بسبب غياب الدعم المالي وتهالك البنية التحتية، في ظل عجز حكومي عن تطوير رؤية وطنية للنهوض بهذين القطاعين.
أما الملف المالي فحدث ولا حرج؛ أبواب الحلول موصدة، والمنح الخارجية باتت أسراراً لا يفهم المواطن وجه صرفها. رواتب الموظفين في غزة والضفة أصبحت رهينة مزاج سياسي لا يعترف بالالتزام تجاه من يعملون بصمت. الشؤون الاجتماعية في حالة تراجع، والسيولة تكاد تكون معدومة، وسط وعود فارغة وتصريحات جوفاء لا تُسمن ولا تغني من جوع.
في ظل هذا كله، يستمر الخطاب الرسمي في الدوران حول مطالب المواطنين، وكأن الحكومة لم تخلق لتفعل، بل لتنتظر الفعل من سواها.
نصل إلى لبّ المشكلة: قرب هذه الحكومة من مؤسسة الرئاسة جعل منها كياناً مغلقاً لا يصل إليه النقد، ولا تمر عبره التقارير التي ترصد فشل السياسات. قادة الأجهزة الأمنية السابقون الذين كانوا مبدعين في تأمين الرئيس، لم يستثمروا تلك الخبرات في حماية المجتمع ككل. لم يفشلوا كأفراد، ولكنهم أغلقوا كل قنوات الحوار، الشكوى، والمراجعة.
رئيس الحكومة يجب أن يكون صانع فعل، لا مُروّج مطالب. وظيفتك ليست التمني، بل الإنجاز والابتكار. وفوق كل هذا، قليل من الشجاعة للاعتراف بالتقصير… تلك الكلمة الغائبة: “آسف”.
ولأننا نؤمن بفرصة جديدة لهذا الوطن الذي أنهكته الانقسامات والصراعات، فإن الاستقالة الطوعية للحكومة الحالية قد تكون بارقة الأمل التي نبحث عنها. خطوة شجاعة نحو التوافق الوطني، وفتح المجال أمام حكومة أكثر قدرة على الفعل، لا على الاكتفاء بالمطالب. الوطن بحاجة إلى من يملك الجرأة لإعادة بناء جسور الثقة، لا من يكتفي بإدارتها من خلف جدران الصمت والتجاهل.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=91059