السلطة الفلسطينية وعقدة الراعي الأمريكي

السلطة الفلسطينية وعقدة الراعي الأمريكي

رام الله – الشاهد| كتب عزالدين مصطفى جلولي.. لن تستطيع السلطة الفلسطينية بهوانها الحالي على الناس أن تمنع إسرائيل من فعل أي شيء في الضفة أو في غيرها، ولا مطالبة الولاية المتحدة بمنعها سيجدي نفعا كذلك. العجيب أن رئيس السلطة محمود عباس لا يلتفت إلى موازين القوى المعنوية التي تميل لصالح شعبه، ولا يستطيع أن يفكر حتى مثل الملك الأردني الراحل حسين، حين ربط حياة اتفاقية وادي عربة للسلام مع الكيان بحياة خالد مشعل، الذي كان بين الحياة والموت في محاولة الموساد الفاشلة لاغتياله في عمان. إن التموضع حاميا لأمن إسرائيل بعد كل ما جرى ويجري لا بد أن ينتهي، وللسلطة فرصة الالتحام بالمقاومة والعمل من خارج فلسطين لتحرير البلاد والعباد، وسيجد الملتحمون في الشتات خير جيوش فاتحة، وفي الدول الداعمة خير مسرح عالمي يسيحون فيه. “ولا تنازعوا فتفشلوا ويذهب ريحكم، واصبروا إن الله مع الصابرين”.
يكفي أن يصاب عربيد من هؤلاء المستوطنين في الضفة أو في داخل الخط الأخضر بلدغة “الغول”، لينفض الجمع المهزوم عن بكرة أبيه، ولن يجرأ أحد منهم على العودة للإفساد ثانية، فهم “لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر، بأسهم بينهم شديد، تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى”.
مائة وخمسون مليار دولار مقدار الدعم العسكري من الولايات المتحدة للكيان منذ ١٩٤٨ فقط! وما نسبة ذلك من تكلفة التسلح لدى الدول العربية في سنة واحدة؟ ولدى الدول الإسلامية؟ إذن ليست القضية في اختلال موازين القوى كما زعم المطبعون والجبناء، إنما القضية في اختلال عقلي ونفسي أعيا من يداويه.
هذا ظاهر المشهد في الولايات المتحدة والعلاقة مع الكيان. وفي التفاصيل، هنالك استفاقة ما حتى لدى اليهود من الزيف الملفق حول قصة أرض الميعاد من أساسها، وبدء ذوبان أصنامها الثلجية بسبب حرارة الحرب في غزة. كما أن هنالك شعورا بدأ يتسرب لدى اليهود الصهاينة بأن الغرب استخدمهم درعا متقدمة لحضارته في الشرق، في زمن كانت الجيوش الغربية تنسحب من مستعمراتها، ليتخلص منهم، في “محرقة” مقنعة، كما زعموا أن النازية فعلت بهم في الحرب العالمية الثانية.
السلطات المصرية تنسق بـ”حميمية” مع الصهاينة، وتتوجس خيفة من حماس، إن هي تسللت مع النازحين عقب اجتياح رفح، والسلطة الفلسطينية تحضر فتح وكتائبها لهذا الإرث العظيم! شاهت الوجوه وخابت المساعي! مصير المنطقة يقرره المجاهدون في الأنفاق المفخخة، وليس في الأبراج المشيدة في رام الله وهليوبوليس.
أحب أن أشير إلى أن من حلل حرب التحرير الجزائرية، التي أودت بمليون ونصفه من الشهداء، أي بمعدل ستمائة شهيد يوميا على مدى سبع سنوات_ يربط شرارتها الأولى بمجازر ١٩٤٥م، بقالمة وسطيف وخراطة، والتي سقط فيها خمسة وأربعون ألف شهيد في غضون أيام معدودة، على خلفية مطالبة الشعب فرنسا بوفائها له بوعدها الاستقلال إن هم قاتلوا إلى جانبها في الحرب العالمية الثانية ضد الألمان. وللتاريخ حوادث ومسارات لا تخطر للناس على البال.
يبدو في الظروف الحالية أن الحرب في غزة ستنحو نحو التهدئة، فما من حرب دامت إلى الأبد، ولكن الاشتباك المحدود سيبقى سيد الموقف إلى أن تحين جولة أخرى حامية الوطيس، ولعلها ستكون الفيصل في هزيمة العدو إن شاء الله؛ نظرا لتدرج الحروب السابقة نحو التصعيد دوما، وتسجيل التفوق النوعي للمقاومة في كل جولة، وانكماش القدرة الرادعة للعدو الصهيوني في كل مرة، وخلو الجليل والجنوب الفلسطيني من المستوطنين. ولا يبالغن أهلنا في لبنان وحتى في داخل فلسطين في التأنق المعماري وهم يقيمون مساكنهم على خط المواجهة، ولا يجدر بهم أن ينفقوا أموالا طائلة يعلمون أنها ستضيع في أية حرب جنونية ستشتعل؛ فيحسن بمن كان في أرض الرباط إبداع مساكن تليق بذلك الحال، وليدعوا ما زاد عن الحاجة إلى ما بعد التحرير إن شاء الله.
هنالك قسمة ضيزى، أضرت بالقضية الفلسطينية أشد ما يكون الضرر، تقسم أصحاب الحق في هذه الأرض المباركة ثلاثة أقسام: الفلسطينيون، وعالم العرب، وعالم الإسلام. قسمة تفرق وتحيد وتستأثر، ولقد آن لهذه الأقسام أن تتوحد تحت لواء واحد يفتك الأقصى من آسريه. على المؤمنين بالله تعالى أن يسيروا على خطى الأنبياء فحسب، وليس عليه شأن الخواتيم. فالأيام حبلى بالمفاجآت، وهو وحده من يدبر أمرها. “بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا”.
لا يكلف الله الأنفس إلا ما تطيق، وليس علي أن أسرق من عملي الجهادي شيئا لأنهي الواجب بأية صورة تكون. يهرول القادة العرب كل مرة لاسترضاء الغرب بما يسمى “المبادرة العربية”، التي أطلقها الملك السعودي الراحل عبد الله من بيروت سنة 2002م، والتي تنص على حل الدولتين لقاء سلام عادل وشامل؛ وبقي الرجل عقب إطلاقه المبادرة يستجمم في ساحل “جونية” لأيام.
ليس للوصي أن يتصرف بمال “القاصر” إلا بما فيه صلاحه، وإلا فليتنازل عن الوصية. وكذلك حال قضايا المسلمين في منظور القيادات العربية، التي نصبت نفسها وكيلا بلا حكم شرعي يعطيها حق الوكالة. إنه من باب أولى أن يقوم هؤلاء الساسة بإجراء استفتاء شعبي على المبادرة، التي يعلمون في قرارة أنفسهم ألا شرعية شعبية لها ولا مشروعية أخلاقية. وذلكم ثقب أسود في طريق القضية الفلسطينية على أحرار الأمة أن يتحاشوه.
ليس ادعاء حق الآخرين إلا زور، وما أكثر الأدعياء في السياسة والاقتصاد والتاريخ في التاريخ… دول بادت وأخرى قامت، أقاموا حضارات ملأ صيتها الدنيا من مجهود الآخرين من دون أن يحمدوه؛ سرقة الغربي للإرث الإسلامي، وسرقة الصيني للمنتج الغربي، والقرصة السيبيرانية، والسطو على الأوطان، وسرقة إرادة الأمم وادعاء حقوق الشعوب… إنها أزمة كونية عانى منها الإنسان قديما وحديثا، السارق والمسروق منه على حد سواء. وفي الختام يطلب كل من اغتصب المزيد، لأن المتشبع ادعى دعوى كاذبة ليتكثر منها، فلم يزده الله إلا قلة، كما قال الصادق المصدوق.

إغلاق