اللجنة الدولية للصليب الأحمر .. إلى أين؟!

اللجنة الدولية للصليب الأحمر .. إلى أين؟!
بقلم المحامي الدكتور عصام عابدين – الشاهد| أداء اللجنة الدولية للصليب الأحمر المُتحيز وغير المحايد وغير المستقل، والذي لا يعرف معنى الإنسانية، ويصل حد التواطؤ مع سلطات الاحتلال الصهيوني الاستعماري، ليست جديداً في الأرض الفلسطينية المحتلة؛ المكان الذي دَفنت فيه هذه المنظمة القانون الإنساني الدولي ونظامها الأساسي. والشواهد عليها، كثيرة، يطول شرحها، ولن تنتهي عند موقفها المشين الذي ساهم بالنتيجة في استشهاد مصور قناة الجزيرة الفضائية سامر أبو دقة يوم الجمعة الموافق 2023/12/15 بعد مضي سبعين يوماً على الهجوم العسكري الذي يستهدف المدنيين الأبرياء في قطاع غزة وجرائم الإبادة وتسعين شهيداً من الصحفيين واختفائها عن المشهد في حماية المدنيين.
تجدر الإشارة، أن مكتب اللجنة الدولية للصليب الأحمر في إسرائيل (تل أبيب) هو الذي يدير كل شيء، هو العقل المخطط والمنفذ لانتهاكاتهم السافرة المستمرة، وتواطؤهم المفضوح مع الاحتلال، ومكاتبهم في الضفة الغربية وقطاع غزة مجرد ألعوبة ولا تملك من أمرها شيئاً، والقرار يأتي “للتنفيذ” من المكتب القابع بين الأقواس.

وللتذكير، فإن اللجنة الدولية للصليب الأحمر لعبت ذات الدور (المتفرج والمتواطىء) في الهجمات العسكرية السابقة التي شنها جيش الإحتلال على المدنيين في غزة، وفي ملف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين على مرّ السنوات، ولم تحرك ساكناً بشأن الكشف عن الأسلحة المحظورة التي استخدمها جيش الإحتلال في اعتداءاته المتكررة على المدنيين في قطاع غزة وتجاهلتها اللجنة تماماً ولم تنشر عنها أي شيء للتغطية على استخدام أسلحة محظورة دولياً بات يعرفها أطفال قطاع غزة وتتجاهلها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والقائمة التي تؤكد على أن هذه المنظمة الدولية دفنت القانون الإنساني ونظامها الأساسي في الأرض الفلسطينية المحتلة طويلة.

هرب موظفو اللجنة الدولية للصليب الأحمر منذ بداية الهجوم العسكري الأخير على قطاع غزة، هرب مَن مهمته الأساسية حماية ومساعدة ضحايا النزاعات المسلحة! هرب مَن مهمته الأساسية حراسة القانون الإنساني الدولي في النزاعات المسلحة! كما هرب غيرهم من المنظمات الدولية والوكالات المتخصصة، وأخلوا مقراتهم، وتسببوا بشكل مباشر في زيادة معاناة الضحايا الفلسطينيين الأبرياء، وفي استهداف المقرات الدولية والأممية التي تأوي الآف الأبرياء المهجرين قسراً، وفي اشتداد وتيرة الاستهداف والقتل والتجويع والتهجير القسري، هروبوا إلى حيث معبر شبه مغلق في الجنوب.

هربوا والعار يُلاحقهم .. ولم يفعلوا شيئاً أمام كل الاستغاثات من الضحايا المدنيين، متفرجين، ينفذون أوامر الاحتلال، وانحيازهم للاحتلال الصهيوني وإملاءاته علني ووقح ويظهر بكل تحركاتهم كما ظهر في عمليات “تبادل الأسرى” وغيرها ويمضون في تحطيم القانون الدولي وحقوق الإنسان بكل فجاجة في غزة دون رقيب أو حسيب.

حتى على مستوى الأبحاث الأكاديمية لطلبة الماجستير في القانون الدولي (رسائل الماجستير) التي أشرفتُ عليها وكنتُ أكلّف طلبتي الأعزاء بالتواصل مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر في إطار المقابلات الشخصية للحصول على ردود على أسئلة موضوعية تندرج في صلب مهامهم وعملهم وتتعلق بالقانون الإنساني الدولي وانتهاكه في الأرض الفلسطينينة المحتلة كانوا يتهربون من هذه المقابلات ويماطلون ويعتذرون للطلبة عن إجراء المقابلات وفي أفضل الأحوال كانوا يطلبون من الطلبة العودة إلى الموقع الشبكي اللجنة للتهرب من الإجابات التي تقع في صلب مهامهم ولا إجابة عليها على موقعهم! وإنما هناك تبجّح نظري بأن اللجنة الدولية للصليب الأحمر هي حارسة القانون الإنساني وتعمل على الترويج له وتعزيز احترامه!

لا شك أن الجهات الرسمية الفلسطينية، ومنظمات وائتلافات المجتمع المدني الفلسطيني، الغائبة تماماً عن المشهد، يتحملون مسؤوليات كبرى اتجاه استمرار “خيانة” اللجنة الدولية للصليب الأحمر لواجبها الأساسي المتمثل في حراسة القانون الإنساني الدولي والترويج له وضمان احترامه، وحماية ومساعدة ضحايا النزاعات المسلحة، واتخاذ التدابير المناسبة لحماية المدنيين والعمل على وقف الانتهاكات التي تقع عليهم وعدم تكرارها، وتعزيز القانون الإنساني وضمان احترامه والإمتثال له في جميع الظروف والأحوال.

استمرار هذا الصمت، غير المبرر، من الجهات الرسمية وغير الرسمية الفلسطينية هو الذي شجّع اللجنة الدولية للصليب الأحمر على كل هذا التمادي الفج والتحيّز والتواطؤ، وعلى خيانتهم العلنية للقانون الإنساني الدولي ونظامهم الأساسي، في الأرض الفلسطينية المحتلة.

على الجهات الرسمية الفلسطينية ومنظمات وائتلافات المجتمع المدني أن تتحرك بسرعة وجدّية في مواجهة الانتهاكات الصارخة للجنة الدولية للصليب الأحمر في الأرض الفلسطينية المحتلة؛ وأن تتقدم دون إبطاء برسائل استيضاح للجنة للوقوف على حقيقة دورها في الأرض الفلسطينية المحتلة، وطلب ردود واضحة بشأنها، استناداً لدورها المفترض في القانون الإنساني الدولي ونظامها الأساسي.

والعمل دون إبطاء على إعداد تقارير تقصي حقائق بشأن طبيعة الدور الذي تقوم به اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الأرض الفلسطينية المحتلة (جرد حساب) بما يشمل الهجوم العسكري الأخير وجرائم الإبادة الجماعية المستمرة في غزة ونشرها للعلن على أوسع نطاق.

وهذه المتابعات الملحة يجب أن تطال أيضاً المنظمات الدولية الأخرى والوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة (وبخاصة الأونروا) والتي ساهمت بشكل مباشر في زيادة معاناة الضحايا المدنيين الفلسطينيين وفي عمليات التهجير القسري والتجويع وغيرها من الجرائم الدولية المستمرة في قطاع غزة المحاصر.
وينبغي على الجهات الرسمية والمجتمع المدني الفلسطيني متابعة هذا التواطؤ والتحيز والتجرد من الاستقلالية في أداء اللجنة الدولية للطليب الأحمر؛ بأوراق موقف فلسطينية واضحة في مواجهة تلك الانتهاكات الصارخة ورسائل خطية إلى مقر اللجنة في جنيف على مستوى “هيئاتها الرئيسية” وهي الجمعية باعتبارها الهيئة الرئاسية العليا للجنة الدولية للصليب الأحمر وهي التي تتولى مراقبة هذه المنظمة الدولية والإشراف على مهامها؛ ومجلس الجمعية المنبثق عن الجمعية الذي يشرف على حسن سير أعمال هذه المنظمة، ورئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر باعتباره المسؤول الأول عنها وأعمالها، وإحاطتهم بشكل مفصل بشأن انتهاكاتهم الصارخة ووجههم القبيح وخيانتهم للقانون الإنساني الدولي وللضحايا الفلسطينيين وبخاصة في غزة. والقيام بحملات ضغط واسعة، محلياً وإقليمياً ودولياً، لكشف انحيازهم وفضح دورهم المشين في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وينبغي العمل بجدية على فضح الدور الذي تقوم به اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الأرض الفلسطينية المحتلة وبخاصة في قطاع غزة أمام جميع الدول الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقيات جنيف انطلاقاً من مسؤوليات تلك الدول في احترام تلك الاتفاقيات وكفالة احترامها في جميع الظروف والأحوال، وإحاطة الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والهيئات الدولية والوكالات المتخصصة بهذا الدور الخطير المشبوه والمشين لهذه المنظمة في الأرض الفلسطينية المحتلة. وفحص مدى تورطهم جنائياً في جرائم دولية، ارتكبت في قطاع غزة خلال الهجوم العسكري الأخير، وفق قواعد المسؤولية الجنائية الدولية (الاشتراك الجُرمي).

صحيحٌ أن المنظمات الدولية والوكالات المتخصصة الأخرى مقصرة أيضاً في القيام بواجبها ومهامها في عالم الخذلان والتخلي المشين عن المدنيين الفلسطينيين الأبرياء في قطاع غزة المحاصر، والذي لم يعد يصلح للحياة الآدمية وفق تقارير الأمم المتحدة، ولكن اللجنة الدولية للصليب الأحمر خانت القانون الإنساني الدولي والضحايا وحمايتهم الواجبة في النزاعات المسلحة (مغزى وجودها) وخطاياها لا تُغتفر.
إغلاق