على هامش تكليف محمد مصطفى: الحاجة للوحدة وليس للخلاف

على هامش تكليف محمد مصطفى: الحاجة للوحدة وليس للخلاف

رام الله – الشاهد| كتب: د. ماهر الشريف باحث ومؤرخ – مؤسسة الدراسات الفلسطينية – بيروت… أثار تكليف الدكتور محمد مصطفى بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة خلافاً حاداً في الساحة الفلسطينية، وذلك في الوقت الذي أعلن فيه رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أنه قد أقرّ خطة لاجتياح محافظة رفح، وأن حكومته عازمة على مواصلة حربها التدميرية على قطاع غزة حتى “تحقيق أهدافها”.

الإدارة الأميركية ترحب بـ”الإصلاحات” داخل السلطة الفلسطينية

منذ أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2023، وفي خضم حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، صارت إدارة الرئيس جو بايدن تلّوح، على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، بخيار عودة سلطة فلسطينية “فاعلة ومتجددة” إلى حكم قطاع غزة وتوحيد الضفة الغربية والقطاع بعد انتهاء هذه الحرب، مستعيدة أسطوانة باتت مشروخة بخصوص عزمها على إحياء “حل الدولتين”. وفي هذا السياق، أشار مسؤولون أميركيون كبار، في أواسط كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه، إلى أن الإدارة الأميركية تريد “إجراء إصلاحات واسعة النطاق في السلطة الفلسطينية، لا سيما من خلال ضخ دماء جديدة” في المؤسسة السياسية، و”إدخال أشخاص جدد أصغر سناً يتمتعون بمهارات إدارية إلى دوائر صنع القرار، ويمكنهم الفوز بدعم الرأي العام الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة أيضاً، وبثقة المجتمع الدولي”، كما يمكنهم الحصول على “مساعدة دول الخليج اقتصادياً”.

في 10 كانون الثاني/يناير 2024، وعقب لقائه الرئيس الفلسطيني في مدينة رام الله، قال أنتوني بلينكن “إن الرئيس محمود عباس ملتزم بإصلاح السلطة الفلسطينية من أجل إعادة توحيد قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة التي مزقتها الحرب”، وأضاف: “ناقشنا خلال هذا الاجتماع أهمية إصلاح السلطة الفلسطينية وسياساتها وإدارتها حتى تتمكن من تحمل المسؤولية عن غزة بصورة فاعلة، وحتى يمكن إعادة توحيد غزة والضفة الغربية تحت قيادة فلسطينية”.

وعندما وافق الرئيس محمود عباس على قبول استقالة رئيس وزراء السلطة الفلسطينية الدكتور محمد اشتية، الذي ترأس الحكومة منذ سنة 2019، أشادت إدارة الرئيس جو بايدن بعملية “الإصلاح” الجارية داخل السلطة الفلسطينية، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر للصحفيين في 26 شباط/فبراير الفائت: “نحن نرحب بالخطوات التي تتخذها السلطة الفلسطينية لإصلاح وتنشيط نفسها”، وأشار إلى أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن كان قد شجع السلطة الفلسطينية “على اتخاذ هذه الخطوات” خلال لقاءاته الأخيرة مع الرئيس محمود عباس، وأضاف: “نحن نعتقد أن هذه الإجراءات إيجابية، ونرى أنها تشكل خطوة مهمة نحو إعادة توحيد قطاع غزة والضفة الغربية تحت رعاية السلطة الفلسطينية”.

وبينما تؤكد أوساط السلطة الفلسطينية أن التغيير الحكومي الآن هو استحقاق وطني يستجيب لمتطلبات المرحلة الصعبة التي تمر بها القضية الفلسطينية، في ظل العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والتصعيد غير المسبوق في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس المحتلة، كما أشار إلى ذلك رئيس الوزراء المستقيل محمد اشتية، رأى الباحث في “المعهد الدولي للدراسات السياسية والاستراتيجية” ماتيا سيرا، أن استقالة حكومة محمد اشتية “تستجيب للمطالب الأميركية” من أجل “تنشيط” السلطة الفلسطينية، وخصوصاً أنها حصلت “بعد أشهر أصرّت خلالها الولايات المتحدة على تجديد الهيكل المؤسسي للسلطة الفلسطينية وقيادتها”، لكنه أوضح أن “الأمر سيعتمد على مستقبل غزة، ومستقبل العمليات العسكرية الإسرائيلية” المتواصلة فيها، ذلك إن “هناك مستوى من عدم اليقين بشأن المستقبل السياسي لغزة يجعل أي تنبؤ غير واقعي تقريباً”. بينما ذكر موقع “المونيتور” أن قرار الاستقالة “يأتي في الوقت الذي يخطط فيه الرئيس محمود عباس لتشكيل حكومة غير حزبية مكوّنة من فلسطينيين مستقلين ليس لهم انتماءات سياسية”، تكون مسؤولة عن “إدارة إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب وحكم القطاع، مع إصلاح مؤسسات السلطة الفلسطينية” التي “تقودها حركة فتح، والتي لا تحظى بشعبية متزايدة لدى الفلسطينيين”.

مواقف متباينة إزاء طبيعة الحكومة المقبلة

أشار رئيس الوزراء المستقيل محمد اشتية، في آخر اجتماع لحكومته، إلى أن “المرحلة المقبلة وتحدياتها تتطلب ترتيبات حكومية وسياسية جديدة، تأخذ في الاعتبار الواقع الجديد في غزة، ومحادثات الوحدة الوطنية والحاجة الملحة إلى توافق فلسطيني- فلسطيني، مستند إلى أساس وطني ومشاركة واسعة ووحدة الصف، وإلى بسط سلطة السلطة على كامل أرض فلسطين”. وكانت حركة “حماس” قد رحبت قبل ذلك، لدى الإعلان عن احتمال إجراء تغيير حكومي في رام الله، بتشكيل حكومة جديدة للسلطة الفلسطينية، ونقلت صحيفة “الشرق” القطرية عن متحدثين باسم حركة “حماس” استعدادهم “للعمل إلى جانب السلطة الفلسطينية لإعادة إعمار غزة، إلا إنهم أصروا على أهمية الاتفاق على تشكيلة الحكومة والجهة التي ستشرف على إعادة الإعمار”.

وبعد الإعلان عن استقالة حكومة محمد اشتية، صّرح سامي أبو زهري، أحد مسؤولي حركة “حماس”، لوكالة “رويترز” أن استقالة حكومة محمد اشتية “لن تكون منطقية إلا إذا جاءت في سياق إجماع وطني على ترتيبات المرحلة القادمة”، بينما قال عضو المكتب السياسي للحركة حسام بدران إن حماس “ترحب بمشاركة جميع الأطراف الفلسطينية في حكومة التوافق الوطني المقبلة”، ولفت إلى أن حركته “دعت لتشكيل حكومة مؤقتة بمهام محددة، منها توحيد المؤسسات بين غزة والضفة الغربية وإعادة الإعمار وإجراء الانتخابات”. بيد أن محمود الهباش مستشار الرئيس ، وعلى الرغم من أن عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة ستتطلب دعم حركة “حماس” التي تتمتع بثقل كبير داخل القطاع، صرّح في اليوم التالي لتقديم استقالة حكومة محمد اشتية، لقناة “العربية” أن “تشكيل الحكومة المقبلة من اختصاص الرئيس فقط”، وأن الحكومة المقبلة “ستكون تكنوقراط ولا وجود للفصائل بها”، مشدداً على أنه لا توجد سوى قيادة واحدة هي “منظمة التحرير”، وأن حركة “حماس “ليست جهة حكومية، بل هي فصيل مثلها مثل أي فصيل آخر، وعليها أن تسلم كل مقاليد الأمور في غزة للسلطة الفلسطينية”.

تكليف الخبير الاقتصادي محمد مصطفى بتشكيل الحكومة الجديدة

في 14 آذار/مارس الجاري، كلف الرئيس محمود عباس الخبير الاقتصادي الدكتور محمد مصطفى، مدير صندوق الاستثمار الفلسطيني ووزير الاقتصاد السابق والموظف الكبير السابق في البنك الدولي، البالغ من العمر 69 عاماً، بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة. وفي رسالة قبول التكليف قال محمد مصطفى إنه “مدرك خطورة هذه المرحلة التي تمر بها قضيتنا الوطنية”، وشدد على التمسك بموقف القيادة الفلسطينية ومفاده أن “لا دولة من دون غزة، ولا دولة في غزة بعيداً عن الضفة والقدس”. وقد رحب البيت الأبيض بإعلان تكليف محمد مصطفى ودعا إلى تشكيل مجلس وزراء “في أسرع وقت ممكن”، وقالت أدريان واتسون، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، في بيان: “تتوقع الولايات المتحدة من هذه الإدارة الجديدة أن تنفذ سياسات وإصلاحات عميقة وذات مصداقية”. وإذا كانت واشنطن ترغب، لإرضاء حلفائها العرب على وجه الخصوص، في رؤية السلطة الفلسطينية تعود إلى حكم قطاع غزة بمجرد انتهاء الحرب، فإن هذا ليس هو الحال بالنسبة لإسرائيل التي ترفض أي دور للسلطة الفلسطينية في حكم قطاع غزة، وتفضل رؤية “إدارة محلية” تدير أمور القطاع المدنية وتكون مستعدة للتعاون مع الاحتلال. وقد امتنع بتسلئيل سموتريش، وزير المالية، الذي يطمح إلى إعادة سيطرة “إسرائيل” على قطاع غزة وإحياء النشاط الاستيطاني فيه، عن التوقيع مؤخراً على وثيقة تسمح لبنكين إسرائيليين، هما ديسكونت وهبوعليم، اللذين يقومان بمعاملات مع البنوك الفلسطينية، بمواصلة هذه الأنشطة، الأمر الذي قد يؤدي إلى توقف السلطة الفلسطينية عن الدفع بصورة كاملة، والتسبب في “توجيه ضربة قاتلة للاقتصاد الفلسطيني”، كما أشارت إلى ذلك صحيفة “يسرائيل هيوم” اليومية.

الشعب الفلسطيني في حاجة ماسة إلى الوحدة

تسبب قيام الرئيس محمود عباس بتكليف الدكتور محمد مصطفى بتشكيل حكومة جديدة للسلطة الفلسطينية، من دون التشاور مع ممثلي الفصائل الفلسطينية الأخرى، في احتدام الخلاف داخل الساحة الفلسطينية، وخصوصاً بين حركتَي “حماس” و “فتح”. وهكذا، عادت أجواء الانقسام لتخيم على الساحة الفلسطينية، وذلك في تناقض واضح مع مخرجات الاجتماع الذي عُقد في مدينة موسكو، في أواخر شهر شباط/فبراير الفائت، بمشاركة ممثلين عن جميع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وعن حركتَي “حماس” والجهاد الإسلامي والذي صدر عنه، في مطلع آذار/مارس الجاري، بيان أكد “على الروح الإيجابية البناءة التي سادت الاجتماع”، في ظل “ما يتعرض له شعبنا من عدوان صهيوني إجرامي”، وعلى عزم المشاركين فيه على استمرار اجتماعاتهم “في جولات حوارية قادمة للوصول إلى وحدة وطنية شاملة تضم القوى والفصائل الفلسطينية كافة، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”، وعلى توافقهم “على المهمات الملحة أمام الشعب الفلسطيني ووحدة عملهم من أجل تحقيقها”، وفي مقدمها: “التصدي للعدوان الإسرائيلي الإجرامي وحرب الإبادة الجماعية التي تشنها على شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس، بدعم ومساندة ومشاركة الولايات المتحدة الأميركية”.

والواقع، أن الشعب الفلسطيني في هذه الأوضاع العصيبة التي يواجهها يحتاج إلى الوحدة أكثر من أي وقت مضى. وعلى الرغم من الخلاف الذي احتدم بين الحركتين الكبيرتين، والتراشق الإعلامي المؤسف بينهما، فإن الوقت لم يفت لتحقيق هذه الوحدة؛ فليس المهم كثيراً من يترأس الحكومة الفلسطينية المقبلة، وإنما المهم أكثر هو طبيعة برنامجها الإصلاحي، وهل سيعبّر عن إجماع وطني عكسه البيان الصادر عن اجتماع موسكو مؤخراً، أو يتجاوب مع “رغبات” إدارة أميركية، تشارك مباشرة في الحرب التي تشنها إسرائيل، وتستحضر مشروع إقامة “دولة فلسطينية” في ما يُسمى بـ “اليوم التالي” للحرب، في نطاق مناورة لا تخرج عن نهج “إدارة الأزمة” المعهود، وتندرج ضمن تفكير بترتيبات سياسية أشمل، ترمي إلى إدماج إسرائيل في المنطقة من خلال مواصلة مسيرة تطبيع علاقات الدول العربية، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، معها؟.

إغلاق