خريطة النفوذ في السلطة الفلسطينية: أصابع كثيرة في انتظار النعي

خريطة النفوذ في السلطة الفلسطينية: أصابع كثيرة في انتظار النعي

رام الله – الشاهد| كتب سعد الوحيدي.. بعد أن انطلق طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عاد السؤال عن دور السلطة الفلسطينية وحضورها في المشهد الفلسطيني بقوة، وهي التي كانت قبله تضع آخر وردة على قبر هذا الجسم السياسي، وتستحيل إلى مجرّد سلطة بلا سلطة حقيقية، تدير بلديّة كبرى تدعى الضفّة الغربية، في مناطق “أ” و”ب” منها فقط، وتكتفي بدور أمني في حماية أمن “إسرائيل” ومستوطناتها، بلا أي هدى سياسي.

ولكن، ما إن مرّ نحو شهرين على الطوفان، حتى بدا أن للسلطة متحدّثين باسم “مشروعها السياسي”، فأصبح الفلسطينيون يرون وجوهًا تصرّح، أبرزهم: حسين الشيخ، ومحمد اشتية، وجبريل الرجوب. وقد أعاد هذا الحضور لمثل هذه الشخصيات، والغياب الواضح لرئيس السلطو محمود عبّاس (أبي مازن) الذي لم يخاطب شعبه مرّة واحدة، السؤال حول: من يخلُف أبي مازن؟

آخر الملوك
منذ توليه منصب الرئاسة عام 2005، أحكم محمود عباس قبضته على مراكز القوى الفلسطينية، بتوليه إلى جانب منصب رئيس السلطة ، رئاسة حركة فتح ومنظمة التحرير، لتشكل هذه الثلاثية، عقدة في إرث الرجل الذي بلغ عمره 88 عامًا، ومحورًا لصراعات مرتقبة داخل حركة فتح والسلطة الفلسطينية خصوصًا، ثم في المشهد السياسي الفلسطيني عمومًا.

ورغم تعدد التكهنات والتوقعات حول الشخصية التي سترث محمود عباس عقب رحيله، فإن ما يُطرح من نقاشات حول مرحلة “ما بعد عباس” قد يميل إلى أنه لن يستطيع أيٌّ من المرشحين منفردًا ملء هذا الفراغ وإحكام قبضته بشكل مطلق على السلطات الثلاث، وإلى أن تركة الرجل ستتوزع بين الورثة في السلطة وفتح بالدرجة الأولى، وستخضع لموازين القوى والتحالفات وقدرة كل تيار داخل فتح على انتزاع المكاسب الكبرى.

بالطبع، فإن هذه النقاشات تجري بعيدًا عن حدوث أيّ انتخابات، وهي الحق الذي حرم عباس منه الفلسطينيين قرابة 20 عامًا، بعد دخول المشهد الفلسطيني -بعد عامين على توليه الرئاسة- نفق ما اصطلح على تسميته “سنوات الانقسام”، التي رافقها تفرد مطلق بالسلطة، وإقصاء لكل الخصوم والمنافسين المتوقعين، والاستئثار إلى جانب السلطة والمال بقرار إجراء الانتخابات، التي كانت قاب قوسين أو أدنى عام 2021، قبل أن يصدر محمود عباس قرارًا بإلغائها تحت ذريعة “التأجيل لرفض الاحتلال إجراءها في القدس”.

بعد 19 عامًا متواصلة في الحكم، واقتراب عمره من 90 عامًا، والأحاديث التي تتردد سنويًّا عن حالته الصحية، والإشاعات الموسمية عن تدهورها، والرواية الرسمية المضادة بوصف ذلك كل مرة بأنه “فحوص روتينية”، وظهوره الرسمي بعدها في لقاءات أو مؤتمرات أو أحاديث إعلامية، أصبحت سيناريوهات ما بعد عباس، واستقراء المشهد الفلسطيني خلالها، الشغل الشاغل لتقارير دولية ومراكز أبحاث حول العالم، بالنظر إلى الصراع المحموم بين أركان السلطة وحركة فتح على التسابق لانتزاع مكاسب سياسية وتنظيمية، تزيد فرص تقدمهم نحو هذه المرحلة التي لا يجري نقاشها بشكل علني في صفوف حركة فتح أو السلطة الفلسطينية.

ماذا سيحدث في اليوم التالي؟
في فبراير/شباط 2023، أصدرت مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل تقريرًا حول “معركة خلافة عباس”، وضعت فيها ثلاثة سيناريوهات حول مآلات المشهد الفلسطيني في اليوم التالي لرحيل عباس عن الحكم، مشيرة إلى أن هذه المعركة قد تفضي في أسوأ حالاتها إلى “انهيار السلطة الفلسطينية بالكامل”.

السيناريو الأول هو إجراء انتخابات رئاسية فلسطينية على أسس قانونية، وهو وإن كان السيناريو الأفضل، فإنه الاحتمال الأضعف بالنظر إلى عدم وجود أي آفاق لإجراء هذه الانتخابات، سواء على صعيد الترتيبات الداخلية في حركة فتح أو على صعيد التوافق مع حركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية. هذا فضلًا، عن احتمال أن يلغي أبو مازن الانتخابات بشكل فجائي، إذ يتخوّف من خسارة جديدة لحركة فتح في ظل تراجع شعبيتها وصعود أسهم غريمها السياسي حركة حماس.

أما السيناريو الثاني وفقًا لتقرير المركز، فهو أن يلجأ عباس لاختيار خليفة له وهو على رأس السلطة، أو إسناد المهمة لحركة فتح، وهو ما وُصف بـ”الاختيار الذي قد يحقق استقرارًا نسبيًّا في مرحلة انتقالية”. وهنا تتفاوت الترجيحات والتكهنات بين لجوء عباس لاستحداث منصب نائب الرئيس، أو اختيار شخصية من المحكمة الدستورية أو حركة فتح لتولي المنصب، في ظل استبعاد خيار تولي رئيس المجلس التشريعي لمنصب الرئيس الانتقالي، بعد قرار محمود عباس عام 2018 حلّ المجلس التشريعي، والدعوة إلى انتخابات مبكرة، وهي الخطوة التي وصفتها حركة حماس آنذاك بأنها “تفتقد لأي قيمة دستورية أو قانونية”.

وأما السيناريو الثالث الذي قدمه التقرير، فهو فوضى شاملة تضرب الضفة الغربية، واشتعال مواجهة دامية بين أقطاب السلطة الفلسطينية وحركة فتح، تقودها المجموعات المسلحة الموالية لعدد من قادة الصف الأول في السلطة أو التنظيم، بعد سيطرتها على مناطق مختلفة في الضفة، وهو ما سيقود إلى أزمة سياسية وأمنية كبيرة، قد تؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية.

يغذي هذا السيناريو، سلسلة ممتدة من المداهمات التي شنتها أجهز السلطة الأمنية ضد مجموعات مسلحة في الضفة الغربية، واتهامها بالولاء للقيادي المفصول محمد دحلان في شمال الضفة ومخيماتها، وأخرى محسوبة على رئيس جهاز المخابرات السابق توفيق الطيراوي.

وفي يناير/كانون الثاني 2020، كشفت مصادر فلسطينية وإسرائيلية عن اعتقال مجموعة مسلحة من حركة فتح، كانت تخطط لاغتيال ماجد فرج، رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية، وقالت إن المجموعة التي عُثر بحوزتها على أسلحة ومتفجرات يقودها أسرى محررون من حركة فتح على ارتباط بتوفيق الطيراوي، وهي الخطوة التي ربطتها جهات مختلفة بالصراع على خلافة محمود عباس، وقد ذكرت مصادر أن الرئيس تلقى معلومات كاملة عن الحادثة دون أن يتخذ وقتها أي إجراء مباشر تجاه الطيراوي.

سحق المرشحين للخلافة
بإحكامه قبضته على ثلاثية السلطة والمنظمة وحركة فتح، نسف محمود عباس على مدار سنوات أي فرص وحظوظ لصعود خلفاء له في هذه المحاور الثلاثة، ورغم عقد حركة فتح مؤتمرين لها عام 2009 وعام 2016، وتصعيد عدد من قيادات الحركة إلى الصفوف الأولى، ظلت فرص الجميع غائبة عن إحداث منافسة فارقة حتى الآن.

يقول غيث العمري، المستشار السابق لمحمود عباس، في لقاء له مع فرانس 24: “عمل الرئيس عباس والمقربون منه على تشويه صورة وسلطة أي قيادي يبرز في الساحة”، مشيرًا إلى أن محمود عباس ذاته كان أحد ثلاثة مرشحين بارزين لخلافة عرفات، أما اليوم فتنعدم إمكانية ترجيح مرشح على آخر في خلافة عباس.

خلال السنوات الماضية، عمل محمود عباس على إقصاء القيادي السابق في حركة فتح ومستشار الأمن القومي محمد دحلان، الذي فُصل من حركة فتح وعضوية لجنتها المركزية وانتقل للاستقرار في الإمارات، وواصلت الأجهزة الأمنية في الضفة ملاحقة المرتبطين به من قيادات وعناصر في الحركة.

كما طال الاستهداف ناصر القدوة، ابن شقيقة الرئيس الراحل ياسر عرفات، وممثل فلسطين السابق في الأمم المتحدة، الذي فُصل من حركة فتح في مارس/آذار 2021، بعد سعيه لطرح قائمة مرشحين للمجلس التشريعي مستقلة عن حركة فتح، لخوض الانتخابات التي كان مزمعًا عقدها في مايو/أيار من العام نفسه ثم أُلغيت بقرار من عباس.

قادة آخرون من حركة فتح، شملهم الاستهداف بتحجيم نفوذهم، منهم توفيق الطيراوي، الذي أقيل بمرسوم رئاسي في أغسطس/آب 2022 من رئاسة مجلس أمناء كلية الاستقلال الأمنية والعسكرية، كما تم سحب الحراسات الشخصية عنه بعد أيام فقط من تسريب تسجيل صوتي له يهاجم فيه حسين الشيخ.

وفي أغسطس/آب 2023، أصدر عباس مرسومًا بإقالة 12 محافظًا في الضفة الغرب%D

إغلاق