وبعد.. يا سلطة أوسلو؟

وبعد.. يا سلطة أوسلو؟

رام الله – الشاهد| كتب الصحفي اياد حمد.. في الوقت الذي يخوض فيه قطاع غزة حرب إبادة جماعية وتعيش سكانه تحت نيران التجويع والدمار اليومي، يقف الفلسطيني بأماكن أخرى عاجزًا، يتابع الأخبار والمشاهد التي تحوّله تدريجيًا إلى كتلة صمت وصبر، دون تقديم أي شيء حقيقي لأهله هناك.

وفي الضفة الغربية، يتواصل مشهد الاعتداءات اليومية من قبل المستوطنين على القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية. ما حدث مؤخرًا في بلدة بروقين من إحراق للمركبات، واعتداء على المواطنين، ومحاولات إحراق مسجد، لم يعد استثناءً، بل بات واقعًا متكررًا ومألوفًا. أصبحت اعتداءات المستوطنين خبرًا عاديًا، لا يهز ساكنًا ولا يحرّك نظامًا.

لكن الغريب والمفجع في آنٍ واحد، أن السلطة الفلسطينية تكتفي بتصريحات الشجب والاستنكار، بينما توجّه أجهزتها الأمنية كل جهدها إلى ملاحقة الشبان الفلسطينيين، واعتقالهم، بل وإطلاق النار عليهم أحيانًا، تحت شعار “الخارجين عن القانون”. والسؤال: أليس المستوطنون هم الخارجون الحقيقيون عن القانون؟ أليسوا هم من يعتدون يوميًا على الأرض والإنسان والممتلكات دون رادع أو محاسبة؟

الواقع أن ما يجري في الضفة الغربية هو تطبيق تدريجي لنظرية بن غفير التي تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من أرضهم عبر سياسات التخويف والرعب، في ظل عجز كامل عن الحماية، أو حتى تقديم الدعم المعنوي.

وفي خضم هذا الواقع القاسي، تفاجئنا السلطة الفلسطينية بقرار قطع رواتب أكثر من 1600 أسير وأسير محرر، دون سابق إنذار. هؤلاء الذين دفعوا من أعمارهم سنين طويلة خلف القضبان، وقدموا تضحيات لا تُنسى في سبيل الوطن، يُكافَؤون اليوم بقرارات عقابية تقطع أرزاقهم وتعرض أسرهم للذل والحاجة.

في الوقت نفسه، تشهد الساحة الفلسطينية تعيينات شبه يومية في مناصب عليا بمسميات ضخمة لا تلامس واقع الناس، ولا تعالج أزماتهم. المواطن لم يعد يثق، ولم يعد يأمل، بل يعيش في حالة غضب وانعدام أفق، تتغذى على مشاعر الظلم من جهة الاحتلال، ومن جهة السلطة التي يفترض أنها تمثله.

الجميع يعلم أن السلطة الفلسطينية تعيش عزلة سياسية متفاقمة، حتى على المستوى العربي، وهذه العزلة لم تأتِ من فراغ، بل هي نتيجة حتمية لأداء سلطوي مليء بالفساد، والتجاوزات، وغياب الرؤية الوطنية الجامعة.

اليوم، المواطن الفلسطيني لا يريد بيانات ولا وعودًا. يريد من يحميه فعليًا من هجمات المستوطنين، من مصادرة أرضه، من تهديد أطفاله بالخوف والتشريد. يريد سلطة تقف إلى جانبه، لا سلطة تنافس الاحتلال في القمع.

إن أكثر ما يثير الاستغراب هو استمرار البعض في إطلاق التصريحات عن نزع السلاح من غزة أو لبنان، بينما لا يجد الفلسطيني في الضفة من يحميه من مستوطنٍ يحمل بندقية ويعتدي أمام الكاميرات بلا خوف من مساءلة أو حساب.

باختصار، كل ما يُعقد من اجتماعات ومؤتمرات باسم “الإنقاذ الوطني” أو “ترتيب البيت الداخلي” لا يُعدو أن يكون ذرًّا للرماد في العيون، إن لم يقترن بخطوات حقيقية تعيد للمواطن ثقته، وتحفظ كرامته، وتوفّر له الحد الأدنى من الحماية والأمان.

على السلطة أن ترتقي إلى مستوى وعي الشعب الفلسطيني، الذي لم يعد يُخدَع بالشعارات، ولم يعد ينتظر المجهول. فحليب السباع كان في زمن الزير سالم، أما في زمننا هذا، فقد ذهبت السباع وبقيت الضباع تعبث بما تبقى من وطن، بينما الكلاب تعوي في الشوارع.

الفلسطيني اليوم يريد أن يرى قرارات حقيقية، لا بيانات متلفزة، تؤمن له حياة كريمة خالية من الخوف، من المجهول، من الضياع.

إغلاق