حين تتحول دماء الشهداء إلى غنائم سياسية على أنقاض غزة

رام الله – الشاهد| كتب اسماعيل الريماوي: في الوقت الذي ما زالت فيه الدماء الطاهرة تسيل في شوارع غزة وتحت أنقاض بيوتها، وفي اللحظة التي لم تهدأ فيها أصوات الصواريخ ولا صرخات الأمهات الثكالى، خرج من بين صفوفنا من لم يعرف طعم الوفاء ولا معنى التضحية، اصطفوا مع العدو القاتل، بعضهم بالصمت المخزي وبعضهم بطعن المقاومة في ظهرها، وكأنهم بذلك يسابقون الزمن ليؤكدوا أن المصالح عندهم خيار أصيل وليست انزلاقًا عابرًا حتى لو تحالفوا مع الشيطان.
وحين كانت غزة تقاتل وحيدة بكل ما تملك من قوة وإرادة، كانوا هم يحسبون الأرباح والخسائر ببرودة تاجر يبحث عن صفقة، منتظرين لحظة انكسار المقاومة ليقفزوا فوق أنقاضها ويتقاسموا الغنائم التي سالت من أجلها دماء الأبطال، غنائم من أموال إعادة الإعمار، ومناصب سياسية، ومراكز سلطة، يطمحون إليها ولو كان ثمنها أن يقسموا يمين الولاء لمن قتل أبناء شعبهم ودمر بيوتهم وشرد أهلهم.
إن هؤلاء لا يرون في الوطن سوى سلعة قابلة للبيع في سوق السياسة، ولا يبالون إن جاءوا للحكم على أكتاف الاحتلال، المهم أن يزينوا صدورهم بالأوسمة وأن تلمع أسماؤهم في نشرات الأخبار، بينما في المقابل هناك رجال ونساء وأطفال في غزة قدموا كل ما يملكون من روح ودم وحلم في سبيل ان يبقوا أحرارًا، وواجهوا القصف والتجويع والتهجير بصدور مفتوحة وإيمان لا يتزعزع، هؤلاء هم الذين سيكتب التاريخ أسماءهم بأحرف من نور، أما أولئك المتفرجون المتواطئون فلن يذكرهم أحد إلا على أنهم وصمة عار في زمن النكبات.
والمؤلم أن التواطؤ عندهم لا ينتهي بسقوط القنابل ولا يتوقف بانتهاء الحرب، بل يمتد إلى ما بعد الصمت الإعلامي وانطفاء الكاميرات، إذ يتحولون إلى سماسرة دماء، يجلسون على طاولات المفاوضات يتجادلون حول نسب الحصص، من يأخذ وزارة ومن يسيطر على معبر ومن يحتكر قرار الإعمار، كأن غزة التي احترقت ليست إلا صفقة عقارية أو منجم ذهب، لا مدينة جريحة صمدت في وجه آلة القتل الأكثر وحشية في عصرنا .
إن من يقف مع العدو في زمن الحرب لا يمكن أن يتحول إلى مناضل في زمن السلم، ومن خان الدماء في ذروتها لن يحفظها بعد أن تجف، وهؤلاء مهما تزينوا بالشعارات ومهما لبسوا ثياب الوطنية سيبقون أسرى حقيقتهم القبيحة، حقيقة أنهم كانوا شهود زور على المذبحة، بل شركاء فيها، وأنهم تخلوا عن شعبهم في لحظة كان يحتاج فيها إلى كل صوت وكل يد وكل قلب، ولكنهم آثروا أن يكونوا على الضفة الأخرى من النهر، حيث يقف القاتل، يبتسمون له ويراهنون عليه ليمنحهم مقعدًا فوق جثث الشهداء .
لكن غزة ستبقى تعرف أبناءها المخلصين كما تعرف الغرباء الذين تظاهروا بالانتماء، والتاريخ لا يرحم، يعرف كل من باع صمتًا أو أعطى ولاءً حيث سيجد اسمه مكتوبًا على صفحات الخزي، أما الأرض التي ارتوت بدماء الأحرار فلن تمنح ظلها ولا بركتها للمتواطئين.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=92509