الضفة الغربية بين إعلان الضم و الضم الفعلي الصامت

الضفة الغربية بين إعلان الضم و الضم الفعلي الصامت

رام الله – الشاهد| خط الكاتب الفلسطيني اسماعيل الريماوي مقالاً حول خطوات حكومة الاحتلال ضم الضفة الغربية، وذلك في ظل حالة الصمت التي تبديها السلطة الفلسطينية تجاه تلك الخطوات، وفيما يلي نص المقال كاملاً.

من يتأمل المشهد في الضفة الغربية اليوم يدرك أن مشروع الضم الإسرائيلي ليس احتمالاً معلقاً على قرارات الكنيست أو تصريحات نتنياهو ووزرائه فحسب، بل هو عملية جارية على الأرض منذ سنوات طويلة، تنفذ بهدوء وبأدوات متدرجة، من خلال الاستيطان الكثيف الذي يبتلع التلال والوديان، والجدار الذي يعزل القرى عن مدنها، والسيطرة المحكمة على الطرق والمعابر والموارد الطبيعية، حتى أصبحت الضفة موزعة إلى كانتونات محاصرة، تعيش تحت رحمة الاحتلال الذي يمارس سيادته الكاملة وكأن السلطة الفلسطينية مجرد إدارة مدنية محدودة الصلاحيات لا أكثر.

هذا الواقع يطرح سؤالاً ملحاً: ماذا ستفعل السلطة الفلسطينية إذا ما أعلنت إسرائيل رسمياً ضم الضفة الغربية أو أجزاء واسعة منها؟ التجربة الماضية لا تبشر بالكثير، فقد سبق للسلطة أن هددت بقطع التنسيق الأمني والانسحاب من الاتفاقيات وحلّ نفسها في أكثر من محطة، لكن سرعان ما تراجعت تحت ضغط الحاجة المالية أو الضغوط الإقليمية والدولية، وعادت إلى مربّع إدارة الوضع القائم، إن السلطة التي باتت مرتبطة مالياً وأمنياً بوجود الاحتلال تجد نفسها عاجزة عن اتخاذ قرار جذري يضعها في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، بل يبدو أنها تفضل التعايش مع الضم التدريجي والتعامل معه باعتباره أمراً واقعاً، مكتفية بالاعتراض اللفظي والبيانات الشكلية .

الضم بالنسبة لإسرائيل لا يحتاج إلى ضجيج، لأنه يُنفذ بصمت على الأرض، والسلطة بترددها وعجزها تمنحه غطاء غير مباشر، فيما العالم العربي يكتفي بالفرجة أو بالتواطؤ، فكما يحدث في غزة التي تتعرض لحرب إبادة وتهجير قسري وسط صمت رسمي عربي مخزٍ، لا يُتوقع أن يكون الرد على ضم الضفة أكثر من بيانات إدانة شكلية أو تصريحات عابرة من بعض الحكومات، فكثير من الأنظمة العربية اليوم منشغلة بتحالفاتها الإقليمية ومعاركها الداخلية، ولا ترى في ضم الضفة تهديداً لمصالحها، بل تنظر إليه باعتباره ثمناً مقبولاً لتطبيع العلاقات مع إسرائيل أو لتقوية موقعها لدى واشنطن.

بهذا المعنى، فإن الضم ليس قراراً سيادياً تعلنه إسرائيل دفعة واحدة، بل هو مسار ممتد تُنفذ خطواته على الأرض وسط صمت فلسطيني رسمي وخذلان عربي شامل، والنتيجة أن الضفة تفقد تدريجياً ملامحها الفلسطينية وتتحول إلى مساحة محكومة بقوانين الاحتلال ومستوطنيه، يبقى السؤال الأهم: من يستطيع قلب المعادلة؟ المؤكد أن السلطة ليست مؤهلة لذلك، والعرب  غارقون في مصالحهم، ما يعني أن الرهان يبقى على الشعب الفلسطيني نفسه، وعلى قواه الحية ، وعلى وحدة وطنية تعيد الاعتبار لمشروع التحرر وتضع حداً لحالة الارتهان والتفكك .

إن مواجهة الضم لا تكون بالتصريحات ولا بالرهان على عواصم عربية متواطئة، بل بإعادة إنتاج استراتيجية مقاومة شاملة توحّد الفلسطينيين في الضفة وغزة والداخل والشتات، وتحوّل الضم من إنجاز إسرائيلي صامت إلى أزمة مفتوحة تهدد الاحتلال نفسه، هذا هو التحدي الحقيقي الذي ينتظر الفلسطينيين في السنوات المقبلة، وهو ما سيحدد ما إذا كانت الضفة ستظل أرضاً قابلة للتهويد أم ستبقى قلب المشروع الوطني الفلسطيني .

إغلاق