مستقبل السلطة.. إصلاح يعيد الشرعية أم أزمة تفتح الباب للفوضى؟

رام الله – الشاهد| كتب د. حسن سليم: تدخل القضية الفلسطينية مرحلة بالغة الحساسية، في ظل الجرائم وحرب الابادة التي تمارسها “إسرائيل” بشكل متواصل، يقابله وضع داخلي مأزوم معاش على كافة المستويات السياسية والمالية والاجتماعية، لتفرض هذه التركيبة المعقدة علينا جميعاً، قيادةً وشعباً، وجوب اجراء مراجعة شاملة للخيارات المطروحة، خشية أن يتحول الانقسام والأزمة إلى مدخل لإضعاف المشروع الوطني، او حتى لتصفيته.
ولمواجهة هذه التحديات فان المدخل الاول يكمن في تحصين الجبهة الداخلية – دون العودة للطريقة التقليدية – باعتبار ذلك اولوية قصوى، ولكون الإصلاح السياسي لم يعد خياراً يمكن تأجيله، بل هو ضرورة وطنية عاجلة لإعادة ثقة المواطن بالمؤسسة الرسمية.
وهذا يتطلب جملة من الاجراءات والقرارات ابرزها: تفعيل المؤسسات الوطنية وعلى رأسها منظمة التحرير، واستعادة ثقافة الحوار، والسعي إلى تجديد الشرعية عبر انتخابات رئاسية وتشريعية، أو توافق وطني شامل، تعزيز الشفافية، محاربة الفساد، اعادة بناء المؤسسات وفق اصول وقواعد مهنية، والا ستبقى السلطة مكشوفة أمام الضغوط، وفاقدةً للسند الشعبي الضروري لاستمرار قيامها.
إن الدعوة السالفة الذكر ليست لتحسين وضع قائم او تجميله، بل تأتي للمواجهة، حيث إن الواضح ان “إسرائيل” ماضية في تكريس وقائع استيطانية على الأرض، بموازاة جرائم يومية ينفذها قطعان المستوطنين، وتحاول تحويل الصراع في ذلك إلى مجرد ملف إداري وأمني، الامر الذي يوجب الرد بخلاف بيانات الادانة، وهو تدويل المواجهة، عبر الانضمام النشط لمزيد من المؤسسات الدولية الفاعلة، وملاحقة الاحتلال أمام المحاكم بشكل منظم وممأسس، وتعزيز شبكة التحالفات مع القوى الصاعدة عالميا.
وقد اثبتت التجربة أن ثمة فرصة سياسية في تنامي الانتقادات الدولية لإسرائيل، لكن يبقى استثمارها مرهون بوجود فعل فلسطيني منظم ومتصاعد.
ورداً على السؤال الذي يمكن ان يقوم حول موقف ” اسرائيل ” ازاء ذلك، فان الواقع يفيد بأن “إسرائيل ” ليست ساكنة، بل تسعى جاهدة من خلال الضغط الذي تمارسه الى دفع السلطة نحو خيارين أحلاهما مرّ: إما تحويلها إلى إدارة خدماتية بلا مضمون سياسي، أو تفكيكها تدريجياً.
وهذا يتطلب إعادة تعريف دور السلطة باعتبارها أداة صمود وبناء مؤسسات الدولة، وذلك ممكن باعتبار السلطة إطاراً وطنياً فسطينياً إذا ما جرى تطويره، ومشروعاً دولياً أيضاً، وللمحافظة عليه في مواجهة الضغط الاسرائيلي، فان الواجب يستدعي البحث عن بدائل تقلل التبعية للاقتصاد الإسرائيلي، وتبني سياسات اقتصادية واجتماعية تعيد الثقة للمواطن وتحصّنه في مواجهة الأزمات، وتبنى منهج عمل اداري ومالي يتناسب والامكانيات، بخلاف المنهج القائم.
إن تجربة الثلاثة عقود من تجربة أوسلو، والتي أثبتت أن “إسرائيل” لم تحترم التزاماتها، تفيد أن إعادة صياغة العلاقة معها باتت حتمية، عبر تقليص الالتزامات غير المتبادلة، وتفعيل المقاومة الشعبية والمقاطعة الاقتصادية، وبشكل موازي تكثيف الجهود السياسية والقانونية لفضح الاحتلال باعتباره نظام فصل عنصري، وهو توصيف يلقى صدى متزايداً على الساحة الدولية، ولكن ذلك ايضا يتطلب عقلية وادوات قادرة على ممارسة هذا الفعل وبشكل ممأسس، وليس على طريقة الفزعات.
وحتى لا نغرق بنقاش وجدل ادوات المواجهة، فان المواجهة المطلوبة في ظل القراءة للظروف الذاتية والموضوعية، لا تُدار بالسلاح وحده، بل أيضاً بالرواية والصورة، ومن هنا تبرز أهمية إعادة الاعتبار للرواية الفلسطينية في الإعلام الدولي، وتفعيل دور وعلاقات النقابات والجامعات ومنظمات المجتمع المدني، والاستفادة من الجاليات الفلسطينية والعربية في الخارج التي يمكن أن تشكل شبكة ضغط فاعلة إذا ما جرى تنظيمها وتوجيهها بشكل منهجي، وبموازاة ذلك مراجعة خطابنا الاعلامي ليكون قادراً على التأثير، فلم يعد مجدياً ما هو قائم، بل اصبح وفقاً طريقته وادواته ومضمونه مدعاة للاخرين للعزوف عن سماع روايتنا.
والخلاصة، فان مستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية يقف اليوم عند مفترق طرق: إما أن تمضي نحو إصلاح داخلي يعيد لها الشرعية والدور الوطني وهو خيار لا يحتمل التأجيل- أو أن تبقى أسيرة الأزمة، بما يفتح الباب أمام الفوضى وهذا يحقق أمنية سموترتش بالانهيار، والتصفية للمشروع الوطني برمته، فالمرحلة القادمة لن ترحم كياناً هشاً ولا مشروعاً بلا رؤية واضحة.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=93767