الفيتو الأمريكي… شراكة معلنة في جريمة الإبادة
رام الله – الشاهد| خط الكاتب الفلسطيني اسماعيل الريماوي مقالاً حول استخدام الولايات المتحدة حق “الفيتو” ضد مشروع قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، معتبراً أن ذلك الفيتو يمثل رسالة للسلطة الفلسطينية ألا ترجوا خيراً من الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وفيما يلي نص المقال كاملاً.
من جديد تثبت الولايات المتحدة الأمريكية أنها ليست طرفاً محايداً ولا وسيطاً نزيهاً في الصراع العربي الإسرائيلي، بل شريك مباشر وأصيل في حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة منذ ما يقارب العامين. فقد استخدمت واشنطن الخميس ، حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن ضد مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار ووقف الحرب على غزة، لتمنع بذلك صدور أي موقف دولي ملزم يوقف نزيف الدم ويضع حداً للمجازر اليومية.
هذا الفيتو لم يكن مجرد موقف عابر في مجلس الأمن، بل هو إعلان رسمي من الولايات المتحدة بأنها جزء من ماكينة القتل التي تطحن أهل غزة، فهي التي تزوّد الاحتلال بالقنابل الذكية والذخائر الفتاكة، وهي التي تفتح جسوراً جوية وبحرية لإمداد جيش الاحتلال بما يلزم لاستمرار المجازر، وهي التي تحاصر أي صوت دولي يحاول أن يقول “كفى”.
بكلمة أخرى، واشنطن لا تكتفي بأن تكون داعماً، بل تمارس دور القائد السياسي الذي يضفي شرعية دولية على كل جريمة يرتكبها الاحتلال.
ولعلّ الأشد مرارة في المشهد أن هذا الفيتو جاء صفعة جديدة لأولئك الذين ما زالوا يراهنون على الدور الأمريكي كوسيط في اوهام التسوية، سواء من أنظمة عربية اختارت طريق الخضوع والتطبيع، أو من قيادة سلطة أوسلو التي وضعت كل أوراقها في السلة الأمريكية الإسرائيلية، حتى بعد أن أثبتت التجارب كلها أن هذا الرهان ليس سوى سراب يقود إلى المزيد من الإذلال والمهانة.
إن استخدام الفيتو اليوم يفضح زيف الادعاءات الأمريكية حول “حقوق الإنسان” و”النظام الدولي القائم على القوانين”، فواشنطن التي لا تتوقف عن إلقاء المحاضرات الأخلاقية على العالم هي نفسها التي تغطي أكبر جريمة إبادة تُرتكب في القرن الحادي والعشرين، لقد تحولت القيم الإنسانية عند الولايات المتحدة إلى شعارات انتقائية، تُرفع حين تخدم مصالحها وتُسحق تحت الأقدام حين تتعارض مع أمن إسرائيل ومشروعها الاستعماري.
من جهة أخرى، يكشف هذا الفيتو حالة العجز العربي المستمرة، فالأنظمة التي تربط مصيرها برضا واشنطن تجد نفسها مرة تلو الأخرى أمام الحقيقة المرة: الولايات المتحدة لا تحمي سوى إسرائيل، ولا ترى في العرب سوى أدوات وظيفية يجب أن تبقى خاضعة للمصالح الأمريكية، ومع ذلك، يصر هؤلاء على مد اليد لواشنطن، رغم أن الأخيرة لا تكف عن صفعهم وإذلالهم في كل مرة.
أما بالنسبة للشعب الفلسطيني، فإن الرسالة واضحة: لا عدالة يمكن أن تأتي من مجلس الأمن، ولا حرية ستُمنح بقرار دولي، لأن الفيتو الأمريكي سيظل سيفاً مسلطاً على أي محاولة لوقف الاحتلال ومحاسبته، وحدها المقاومة على الأرض هي التي تفرض الحقائق وتعيد التوازن، أما انتظار “المنقذ الأمريكي” فليس سوى وصفة جديدة للهزيمة.
في النهاية، ما جرى في مجلس الأمن ليس مجرد حدث دبلوماسي، بل هو تأكيد جديد أن الولايات المتحدة شريك معلن في الجريمة، وأنها اختارت أن تكون على الضفة المعاكسة للإنسانية، وإذا كان العالم يتردد في وصف ما يحدث في غزة بأنه “هولوكوست معاصر”، فإن الفيتو الأمريكي يكفي ليؤكد أن هذه الإبادة تتم برعاية دولية، وأن الدم الفلسطيني يُسال بغطاء أمريكي رسمي لا لبس فيه.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=94285