خرجوا كراماً.. الاحتلال يفشل في كسر إرادة الأسرى المحررين في صفقة التبادل

خرجوا كراماً.. الاحتلال يفشل في كسر إرادة الأسرى المحررين في صفقة التبادل

رام الله – الشاهد| خرج محررًا من سجون الاحتلال، كان مرفوع الرأس، ضاحكًا مستبشرًا، غير أن قامته لم تكن مفرودة الظهر، بل محنية بوضوح. سُئل ما السبب، فأجاب أن إدارة سجون الاحتلال تجبر الأسرى على البقاء محنيين شبه راكعين طيلة الوقت، حتى وهم يسيرون في صفوف العدد!

لم يكن من السهل تخيل المشهد بدقة، إلا بعدما نشرت إدارة سجون الاحتلال فيديو تظهر فيه الأيام الأخيرة لأسرى تم تحريرهم في صفقة طوفان الأحرار الثالثة. ظهر فيه الأسرى يسيرون في صفوف فردية، وكل أسير محني الظهر، يمشي راكعًا. ركعت أجسادهم، لكن ملامحهم كانت تشي بانتصار كبير على السجان!

إذلال مقصود.. وردٌّ بالعزة

إدارة سجون الاحتلال تعمّدت نشر الفيديو على ما يبدو وهي تهين الأسرى قبل تحريرهم. جاء نشر المقطع بعد الصدى الواسع الذي لقيته كلمات عدد من الأسرى المحررين البارزين في الصفقة، مثل القائد القسامي محمود عيسى والأسير المحرر المقدسي أيمن سدر، وبطلي نفق الحرية للهروب من سجن جلبوع أيهم كممجي ومحمود العارضة، والمقدسيين محمد وعبد الجواد شماسنة، والسامري نادر صدقة، وغيرهم ممن تحدثوا بكل قوة وشموخ وعزة بعد تحريرهم.

نشر الفيديو كان محاولة من الاحتلال لتثبيط الهمم، واستفزاز مشاعر الشعب الفلسطيني، وإظهار كمية الذل والمهانة التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال، والتي ازدادت حدتها بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023.

لكن سنعيد صياغة المشهد مجددًا ليكون هذا الفيديو وقودَ عزةٍ لا ذل!

حوارات التحدي واللا ندم

يظهر في مقطعٍ منه السجّان يسأل أحد الأسرى المنوي تحريرهم: “ماذا فعلت في العام 1993؟”

فيجيب الأسير: “قتلت ضابط الشاباك حاييم نحماني.”

يسأله مجددًا: “هل أنت نادم على قتله؟”

فينظر إليه الأسير بنصف عين، وحاله يقول: كيف أندم؟!

وفي مقطع آخر، يظهر السجانون وهم مدججون بكامل عتادهم العسكري، ويتوعدون الأسرى المنوي تحريرهم بمنع أي مظاهر احتفالية.

ممنوع على الأسرى أن يشعروا بالفرح أو السعادة في لحظة تجميعهم ونقلهم من سجن إلى آخر، حتى لحظة الصفر وإطلاق سراحهم.

في المشهد المؤلم، الأسرى يمشون راكعين، مكبّلين، معصوبي الأعين.

ويستمر السجانون في ترديد أوامرهم: ممنوع الفرح!

غير أن أحد السجانين يقول: “لكنهم يشعرون بالسعادة في داخلهم، أنا لا أستطيع التحكم بما يحدث في داخلهم!”

وهنا، رغم أنف الاحتلال، يثبت دون وعي منه أنه مهما حاول، لن يستطيع سلب مشاعر الأسرى ولا فرحتهم بالتحرر من سجونه.

إنه مشهد انقلب فيه السحر على الساحر!

الندم المرفوض.. والعزة التي لا تنكسر

يستمر المشهد بإجراء العدد للأسرى. يسأل السجان عددًا منهم عن أسمائهم والتهم الموجهة لهم، ويعيد السؤال ذاته على كل واحد منهم: “هل أنت نادم؟”

طيلة دقائق الفيديو التي تجاوزت الـ13 دقيقة، لم يجب أي أسير بالندم.

ولو أن أعينهم لم تكن معصوبة، لظهر جليًا اشمئزازهم من السؤال، ولربما كان في عصب أعينهم رحمةً من تعذيب إضافي فوق ما مروا به خلال الأيام السابقة للصفقة، وهي ما أطلق عليها السجانون “هدية الوداع” — القمع، الضرب، السحل، التنكيل، والشبح!

وظهر أسير مكبّل اليدين والقدمين، معصوب العينين، على كرسي متحرك.

يسأله السجان: “من أين أنت؟ ماذا فعلت؟”

فيجيب: “من القدس، طعنت شرطيًا في باب الساهرة.”

يتابع المعلق العبري على الفيديو أن الأسرى يظهرون بلا حول ولا قوة، لكنهم “مخربون نفذوا هجمات عديدة”.

وهنا مفارقة عظيمة: ما اعتبره الاحتلال إدانةً كان شهادة فخر — أن هؤلاء الأسرى أثخنوا في المحتل، وقاوموه، وضحوا من أجل حرية شعبهم.

فنحن قوم أعزّنا الله، وما خضعنا يومًا لعدوٍ، مهما قهر أو سجن أو قتل.

“لست نادمًا”.. الكلمة التي هزّت الشاشات

في مشهد متتالٍ بالفيديو، سأل مذيع القناة “13” العبرية الأسير محمود أبو سرور لحظة الإفراج عنه إن كان نادمًا على قتله ضابطًا في الشاباك قبل 33 عامًا.

فأجابه بجرأة مذهلة: “لست نادمًا، هل أندم بعد 33 عامًا؟!”

جوابه كان مزلزلًا وغير متوقع، رغم إدراكه أن تصريحه قد يتسبب في رفض إطلاق سراح بقية رفاقه. لكنه قالها بثباتٍ وشجاعة، بنظرةٍ كلها تحدٍّ، كأنه يقول: “بعد كل العمر هذا، بدي أندم؟!”

الاحتلال في مواجهة الكرامة

يصرّ الاحتلال في الفيديو على تكرار مشاهد إذلال الأسرى — سيرهم في طابور فردي، محنيين الظهر، معصوبي الأعين، مكبلين، يصعدون الحافلات، ويُجبرون على الجلوس بنفس الوضعية.

يتعمد السجانون إهانتهم بألفاظ نابية، في محاولة لإظهار “قوة” سجان ضعيف أمام أسير أعزل.

على جدران السجن، تظهر عبارة بالعبرية: “الشعب الأبدي لا ينسى، أطارد أعدائي وأمسك بهم.”

سطّرتها إدارة السجون لتبقى أمام الأسرى المجموعين على الأرض، مقيدي الأيدي والأرجل، كرسالة ترهيب.

وفي فناء السجن، علّق المتطرف بن غفير صورًا لقطاع غزة المدمّر، في محاولة لكسر معنويات الأسرى، ليقول لهم: “غزتكم دُمّرت.”

لكن حتى بين الركام، بقيت غزة حاضرة في عيونهم.

لحظة الانكسار الحقيقي للسجان

في أحد المقاطع، يظهر القائد القسامي محمود عيسى، قائد الوحدة (101) التي اختطفت وقتلت ضابط حرس الحدود الإسرائيلي نسيم توليدانو عام 1992، في محاولة للإفراج عن الشيخ الشهيد أحمد ياسين.

يسأله السجان عن تهمته وسبب سجنه لأكثر من 33 عامًا، فيجيبه بصمتٍ مطبق، لا يقول شيئًا سوى “لا أعرف”.

صمته كان أقوى من أي كلام.

حتى آخر لحظة من لحظات الإفراج، أجبر الاحتلال الأسرى على الانحناء.

لكن حين سلّمهم للجنة الدولية للصليب الأحمر، أُزيلت الأغلال والأصفاد التي ظهرت ملقاة على الأرض بالعشرات.

تحررت أيديهم، وظلّوا مهددين بالسلاح، مأمورين بخفض رؤوسهم حتى اللحظة الأخيرة.

لكن رؤوسهم بقيت عالية في قلوبهم.

النهاية التي فضحت الاحتلال

انتهى مقطع الفيديو الذي أراد الاحتلال منه إظهار قوته وعنفوانه، ومدى قدرته على إذلال الأسرى في سجونه، غير أن المشهد الحقيقي أظهر ضعفه وجبنه.

ففي كل كادرٍ أراد به قتل كرامة وعزة الأسرى، كشف عن رعبه منهم.

وفي كل لحظة إذلال، سطّر الأسرى مشهد نهوضٍ جديدٍ للشعب الفلسطيني.

أراد السجان إذلالهم، فوثّق بطولةً خالدة.

لأن فلسطين — كالعنقاء — مهما احترقت بالرماد،

تعود لتقاوم، حتى تحرير الأرض وتبييض السجون واستعادة جثامين الشهداء المحتجزة.

 

المصدر: مكتب إعلام الأسرى

إغلاق