“عصا المستوطن”… حين تضرب الحرة الفلسطينية أمام صمت العالم
رام الله – الشاهد|
خط الكاتب الفلسطيني محمد التاج مقالاً حول مشهد اعتداء المستوطنين على مسنة فلسطينية خلال قطفها لمحصول الزيتون في أرضها بصورة وحشية وسط صمت العالم، وفيما يلي نص المقال كاملاً.
في مشهد يعادل في قسوته كل حكايات القهر التي عاشها الشعب الفلسطيني منذ النكبة، ظهر مستوطن إسرائيلي ملثم، يحمل عصا خشبية ثقيلة، يهجم على مسنة فلسطينية كانت تجمع زيتون أرضها بيدين أنهكتهما السنين. لم تكن تحمل سلاحا، ولا حجرا، بل سلة زيتون وأملا بأن يكون الموسم هذا العام أكثر سلاما من سابقه. لكن عصا المستوطن كانت أسرع من الطمأنينة، وأقسى من كل المواسم، لتسقط عفاف صالح أبو عليا مغشيا عليها، فيما العالم يكتفي بالمشاهدة.
هذه الحادثة ليست مجرد اعتداء فردي، بل مرآة تعكس عقلية استعمارية متجذرة، تُبيح دم الفلسطيني وأرضه وكرامته. المستوطنون في الضفة الغربية لا يتحركون فرادى، بل يتحركون بعقيدة مدعومة بالسلاح، وبحماية جيش الاحتلال، وبغطاء سياسي من حكومة يمينية متطرفة تشرعن هذا الإجرام وتعتبره “حقا طبيعيا” في أرض الفلسطينيين.
هذه الاعتداءات ليست طارئة ولا عابرة. وفق هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، نفذ المستوطنون أكثر من 7150 اعتداء خلال العامين الماضيين، أسفرت عن استشهاد مدنيين، وحرق أشجار، وتخريب بيوت وممتلكات، وتهجير تجمعات بدوية بأكملها. الهدف واضح: تحويل حياة الفلسطيني إلى جحيم، ودفعه لمغادرة أرضه، وابتلاع ما تبقى من الضفة الغربية قطعة بعد أخرى.
ما الذي يريده المستوطنون … يريدون الأرض بلا أصحاب، والزيتون بلا فلاح، يريدون التاريخ مطويا تحت أقدامهم، ويريدون أن ينشأ العالم وهو يراهم “ضحايا” بينما هم الجلاد. هذه الاعتداءات ليست أعمالا فردية، بل تطبيق عملي لفكرة “أرض إسرائيل الكاملة”، التي تنفي وجود الفلسطيني، وتعتبر بقاءه خطأ تاريخيا يجب تصحيحه بالقوة.
ودور الحكومة الإسرائيلية … هي ليست مجرد متفرج؛ بل هي المخطط والممول والمشرعن. الجيش الذي يفترض أن يمنع الاعتداءات، هو ذاته الذي يرافق المستوطنين، يؤمن لهم الطريق، ويعتقل الفلسطيني إذا حاول الدفاع عن نفسه. الحكومة تغلق ملفات التحقيق، والمحاكم تبرئ القتلة، والكنيست يسن القوانين التي تحميهم. هكذا تصنع بيئة كاملة من الحصانة، تجعل المستوطن يرفع عصاه مطمئنا بأن لا أحد سيحاسبه، لا قانون ولا ضمير.
أين العالم من كل هذا … المنظمات الدولية تصدر بيانات قلق، وتغرد المقررة الأممية فرنشيسكا ألبانيزي غاضبة، لكن لا شيء يتغير على الأرض. القوى الكبرى تدين في العلن، وتسلّح الاحتلال في السر. أما المؤسسات الحقوقية، فتغرق في التقارير والملفات القانونية، بينما الفلسطيني يدفن أو ينقل إلى المستشفى أو يعتقل، بلا حماية حقيقية، بلا عدالة.
ومع ذلك، لا يزال الفلسطيني يقطف زيتونه. لا يزال يحرث الأرض، ويزرع القمح، ويعلم أبناءه أن هذه الأرض ليست مجرد مساحة جغرافية، بل ذاكرة ودم ووصية الأجداد. في كل قرية، في كل خيمة، في كل بيت يهدم، يولد يقين جديد: “نحن هنا باقون”.
كيف نردع المستوطنين … الرد ليس فقط بالحجارة ولا بالرصاص. الرد هو التمسك بالأرض، توثيق الجرائم، كشفها أمام العالم، بناء لجان حماية شعبية، والتوحد على مبدأ أن الأرض لا تباع ولا تقسم. الرد هو أن نعيد للقضية بريقها، وأن تصبح كل قرية تتعرض للهجوم عنوانا للعالم. الرد أن يتوقف الفلسطيني عن انتظار إنصاف من مجلس أمن عاجز، وأن يبدأ بخلق أدواته الذاتية للحماية والصمود والمقاومة بكافة أشكالها المشروعة.
رسالة للمجتمع الدولي: إذا كانت عصا مستوطن تكفي لإسقاط امرأة خمسينية على أرض الزيتون، فإن صمت العالم كفيل بإسقاط ما تبقى من إنسانية. لا نطلب شفقة، بل عدالة. لا نطلب دموعا، بل مواقف. لا نطلب خطابات، بل حماية لشعب يقتل لأنه صامد على أرضه.
ورسالة للفلسطينيين: هذا الألم ليس هزيمة. هذه الدماء ليست عبثا. كل غصن زيتون نسقيه بدمنا سيثمر حرية. كل امرأة تتعرض للضرب تنجب جيلا لا يعرف الانكسار. فلسطين لم تخلق لتهزم، بل لتعلّم العالم معنى الصمود، ومعنى أن تظل واقفا حتى ولو سقط كل شيء من حولك.
الرابط المختصر https://shahed.cc/?p=95553